-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
وزراء سابقون ومثقفون وإعلاميون في تكريم الراحل:

نذير مصمودي.. داعية إسلامي بفكر متمرد

منير ركاب / وهيبة سليماني
  • 2440
  • 2
نذير مصمودي.. داعية إسلامي بفكر متمرد

نظم مجمع “الشروق” حفلا تكريميا للراحل نذير مصمودي، بالمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية ببلدية المحمدية، بحضور عدد من الشخصيات والوزراء السابقين والمثقفين والإعلاميين وأساتذة الجامعات، وقد تداول العديد منهم على المنصة، معددين خصاله وجهوده في العمل الدعوي والخيري والإنساني والإعلامي.

أبو جرة سلطاني في قراءة لمسار الفقيد:
التيّار الإسلامي في حاجة إلى أمثال نذير مصمودي

استعرض رفيق درب المرحوم الشّيخ نذير مصمودي، وزير الدولة الأسبق أبو جرة سلطاني، أهمّ محطّات رجل قال إنه جمع بين الذّكر والفكر والقلم والإغاثة.. وتحرّر من التّنظيمات واتّصف بالفصاحة والشّجاعة والصّدع بالرّأي متى ما اقتنع به. وارتحل عنّا قبل أن يكمّل مشواره في نقد حاملي المشروع الإسلامي، بعد تحوّله من داعيّة إلى ناقد ومصحّح للمسار.

توقف أبوجرة سلطاني عند ثلاث محطّات كبيرة هي كل حياة الفقيد، قال عنها إنها شكّلت “منعطفات انقلابيّة” في فكر صديقه النّذير مصمودي، حتّى كأنه ثلاث مدارس بين بداياته الأولى خطيبا في المساجد؛ أوّلها مسجد تابع للطّريقة القادريّة وآخرها مسجد بدر ببسكرة. ونهايته ناقدا للتّيار الإسلامي وثائرا على قياداته ومقوما للمسار كله وداعيا إلى الانتقال من العاطفة إلى الفكر ومن “المشيخة” إلى المؤسسات.

1ـ محطة الدعوة باللسان والقلم.

2ـ محطة العمل الإغاثي واللجوء الفكري.

3ـ محطة المراجعات والنّقد الذّاتي.

استعرض في مستهلّ كلمته البيئة التي نشأ فيها الفقيد مصمودي، كون ولاية بسكرة كانت منطقة عبور ومركزا للحجيج وموطنا لكثير من الفرق الصوفية.. وقد خرّجت علماء مشاهير وأهدت للأزهر الشريف واحدا من أبرز شيوخه (الشيخ محمد الخضر حسين العمري الطّولقي)، والشيخ عبد اللطيف سلطاني القنطري والشيخ أحمد سحنون.. وغيرهم. وأشار إلى استفادة النذير مصمودي من هذه البيئة ومن انتسابه لمعاهد التعليم الأصلي ومن التحولات التي حدثت في العالم، بالإضافة إلى مواهبه الخاصة، ومنها التحرر من الهياكل التّنظيمية والفصاحة والقدرة على التأثير وسيولة قلمه. كل ذلك أهله ليكون داعية مؤثرا وخطيبا مفوها وشخصية آسرة.. انتقل بين المساجد واستقر بمسجد بدر ببسكرة فصار مركز استقطاب دعوي بين سنوات 82/92 بالتوازي مع كتاباته (سلسلة أوراق إسلاميّة) ومحاضراته في جامعات باتنة وقسنطينة وعنابة ودروسه في مختلف مساجد الشرق والجنوب. وكانت تلك محطّة الدّعوة التي كان متأثرا فيها بالشيخ كشك والشيخ أحمد القطان والشيخ حسن أيوب.. حتى جاءت المأساة الوطنية فقلبت مساره رأسا على عقب.

في المحطة الثانية، توقف عند اعتقاله سنة 1992، وتعرضه للإهانة والأذى والتعذيب في ورقلة، فلما أطلق سراحه أرسله الشيخ محمد بوسليماني رحمه الله إلى البوسنة أيام حرب الإبادة التي شنها الصرب على المسلمين، فتحول من الدعوة إلى العمل الإغاثي، ونجح في نسج شبكة علاقات عالمية مكنته من السفر إلى النمسا فأقام بالعاصمة فيينا وخالط التيارات الفكرية والسياسية، ومنها إلى الكويت عاملا في وسائل الإعلام وكاتبا وصحفيا.. فعرف الخليج من الداخل، ثم عاد ليقيم في فيينا فعرف الغرب من الداخل.

وفي فيينا انتقل من العاطفة إلى العقل، ومن نشر الدعوة إلى نقد حامليها، وزار البلاد الاسكندنافية ولاحظ ما عليه هؤلاء من تنظيم وهمة وعمل وتطور ورقي.. وخالط العلماء والمفكرين وأهل الرأي والفلسفة والنظر ورجال الدولة، بين سنوات 92/2000، فلما عاد إلى الجزائر عاد بفكر جديد وبقناعات راسخة ضمنها في كتابيْه الصادريْن عن “الشروق للإعلام والنشر”، الأول صدر سنة 2010، بعنوان “بعد الرّصاص/ الإسلاميّون والأسئلة السّاخنة”. والثّاني صدر سنة 2014 بعنوان: “متى يدخل الإسلاميّون في الإسلام؟” وكلاهما يعرض تجربته وآراءه في مسمى “الإسلام السياسي”، إلى جوار ما كان يكتب في يومية “الشروق” ثم في صحيفته “الشاهد” وفي الفضاء الأزرق.

يقول أبو جرة سلطاني إن المرحوم مصمودي فتّش في المسكوت عنه، وأثار أسئلة حول ما كان محرما من الطابوهات، وكشف المستور وفكك منظومة الإسلام السياسي وقرأ حاضر الإخوان ومستقبلهم وتنبأ بفشل مشروع “الإسلام السياسي”، وانتقد الإسلاميين والسلطة.. وانتهى إلى الحكم على حملة المشروع الإسلامي بالفشل في الوصول إلى الحكم، وعليهم أن يعودوا إلى المساجد، فذلك مكانهم الطبيعي، حسب تقييم المرحوم مصمودي لتجربتهم.

وانتهى أبوجرة من عرضه للمحطات الثلاث لسيرة رفيق دربه بتلخيص أهم ما سماه “محاور فكر النذير” في عشر نقاط مثّلت المنعطف الحاسم بين مرحلتيْ الدعوة ونقد دعاة مشروع الدولة في الجزائر، أولها عقلية “المشيخة”، وثانيها الصّراع حول الزّعامة، وثالثها خدمة الدّولة بعقليّة الدعوة، ورابعها نهاية حلم التغيير عن طريق القوة (العنف)، وخامسها سهولة تحويل المعتدلين إلى متطرفين لتسهيل تصفيتهم أو إلى أتباع لاستخدامهم، وسادسها غياب فكر المؤسسات في الفقه السياسي لدى مختلف التيارات الإسلامية، وسابعها ازدواجية الخطاب بين الداخل والخارج، وثامنها كفر الأنظمة العربية بالتداول السلمي على السلطة. وتاسعها توجس الغرب من استلام الإسلاميين مقاليد الحكم بالتخويف من موضوع المرأة، والحريات وحقوق الإنسان والأقليّات.. الخ، وعاشرها غياب النموذج بتضخيم صوت التطرف (الإرهاب، داعش.. إلخ).

وختم سلطاني مداخلته بالقول: صحيح أن صديقي النذير مصمودي رحمه الله قد فكك منظومة تقليدية في أنماط التفكير، وانتقل من الدعوة إلى نقد حامليها بكثير من الجرأة، ولكن التيار الإسلامي بحاجة اليوم إلى أمثاله ليهدوا إليه عيوبه، فلا يمكن أن يتحقق النجاح بغير مراجعات وتقييم وتقويم.

عبد الحميد عثماني رئيس تحرير سابق لجريدة “الشاهد”:
مصمودي مشبّع بالثقافة الديمقراطية وبروح المهنية

عاد الزميل عبد الحميد عثماني في شهادته 32 سنة إلى الوراء ليروي قصة تعرّفه على الفقيد نذير مصمودي في التاسعة من عمره، حيث نشأت العلاقة الروحية بين طفل قارئ وكاتب أخذ صيته يذيع، فقد كان أول كتاب اقتناه شخصيّا بـ10 دنانير، هو “قرآن الشيطان”، للمرحوم خلال معرض تظاهرة عيد الثورة في 1989 بوادي سوف، ومن يومها صار اسم النذير في ذاكرته كنقش على الحجر.

بقي الزميل عثماني يتابع كتابات النذير رحمه الله، عبر مجلة التضامن الجزائرية، ثم “المجتمع” الكويتية، حتى عاد للجزائر عبر جريدة “الشروق” وإصداراتها، ومن خلال تلك القراءات تشكلت لديه صورة نمطية، عن شخصية تخيلها صلبة الشكيمة وصعبة المراس، قبل أن يكتشف لاحقا كاتبه العجيب في هيئة الإنسان الحليم والشخص الوديع.

في مطلع 2011 ومع انتشار شبكة التواصل الاجتماعي، نسج الزميل عثماني علاقته بشكل مباشر مع أستاذه النذير، ليفاجئه في خريف 2012 بعزمه على إطلاق جريدة “الشاهد”، طالبا منه المساهمة بمقال أسبوعي قبل دعوته لقبول رئاسة تحريرها.

وأكد الزميل عثماني أن المرحوم لم يتدخل في عمله يوما خلال عام كامل، ولا يزيد على أن يذكّر بخط الجريدة المستقل، والتنبيه على أنها لن تكون منصة، لأي طرف مهما كان الإغراء أو الترهيب.

وهنا شدّد الزميل في شهادته على أن الرجل كان ينتقد الإسلاميين، والديمقراطيين، والوطنيين، مثلما يعترض على السلطة والمعارضة على حد سواء، من منطلق قناعات شخصية بعيدا عن كل الحسابات.

كما قدم شهادة أخرى، فقد احتدم الخلاف الودي بينهما حول الموقف من الوضع في مصر، وكان مصمودي يكتب منشوراته اللاذعة ضد الإخوان على صفحته بالفيس بوك، ومع هذا، لم يستعمل منبر الجريدة، بل ظلّ رئيس التحرير يتناول الأحداث من زاوية مناقضة، حتى أن الكثير كان يستغرب حينها التباين بين مدير عام ورئيس تحريره، لأنهم لم يدركوا أن النذير لا يفرض آراءه الخاصة، ولا يلزم بها حتى المؤسسة التي يملك عنوانها، فقد كان فعلاً مشبّعا بالثقافة الديمقراطية وبروح المهنية الإعلامية.

وأوضح الزميل من خلال مرافقته للمرحوم أنه لم يكن يكتب ضد الإسلاميين من موقع العداء أو الخصومة، بل كانت التجربة المريرة والغيرة على المشروع الإسلامي مثلما يتصوره هو، هي التي تدفع به لانتقاد الحالة الإسلامية، وتضطرّه للجهر بصوته عاليًا، لأنه يرفض تماما منطق التبرير والتكتم على الأخطاء، بحجة الحفاظ على سمعة الدعوة ورجالها، بحسب ما كان يردده أمامه.

محمد قماري: سلسلة “أوراق إسلامية” كان لها تأثير في شخصي

أبدى الأستاذ الجامعي، محمد قماري، إعجابه بشخصية المرحوم نذير مصمودي، واصفا إياه بالرجل الحر الذي يستطيع أن يتكلم بطلاقة، وبكل شجاعة وقال إنه لم يكن مثل الأشياء الثقيلة التي تسقط في القاع، ولا مثل الأشياء الخفيفة التي تطفو على السطح، بل كان متواضعا بملمح الحر.

وأكد قماري، أن سلسلة أوراق إسلامية التي أصدرها مصمودي وهو شابا، أثرت فيه حيث عندما كان مصابا بهوس الكتب قرأها وأعجب بكاتبها الذي لم يكن يعرفه، فسافر وهو طالب في الثانوي من الوادي إلى بسكرة يبحث عن هذا الكاتب، وعندما وصل إلى منزل مصمودي، خرج شقيق هذا الأخير، فطلب منه قماري أن يقابل صاحب سلسلة “أوراق إسلامية.”

وقال الأستاذ الجامعي، محمد قماري، إن نذير مصمودي، كان حينها شابا وخرج إليه، وعندما أبدى له إعجابه بكتاباته، رد عليه المرحوم بالقول “العلم كل من هنا وهنا وقل كتبته أنا”، وأضاف قماري، أنه كان متعجبا من شخص يكتب في ذلك الزمن.

الشيخ علي عية: ما أحوجنا اليوم لأمثال مصمودي

قال الشيخ علي عية، إن نذير مصمودي يجمع بين الصحافة والسياسة ويحمل لواء التحدي والدعوى، وهو أيضا روائي، فما أحوجنا، حسبه، إلى أمثال هؤلاء، في زمن بات فيه التنويريون والحداثيون يهاجمون الإسلام بشراسة، مضيفا أن مصمودي بدأ في مرحلة العلمانيين والشيوعيين، وكان له أثر مع أبوجرة سلطاني وآخرين في إبقاء القدوة.

زين العابدين مصمودي: والدي علمنا كيف نحل مشاكلنا في هدوء

كشف ابن الكاتب والصحفي نذير مصمودي، زين العابدين، أن والده كان على وشك الانتهاء من كتابة مذكراته ونشرها ولكن وفاته حالت دون ذلك، حيث سيقوم هو بنشر ما كتبه الوالد، على أن تكون مذكراته، حسبه، في معارض الكتاب القادمة.

وقال زين العابدين، إن رسالة نذير، الخاصة بالإعلام سيكملها هو من خلال جريدة “الشاهد”، وأعمال أخرى إعلامية، مشيرا إلى أن الوالد رباه هو وإخوته على التسامح والحفاظ على المبادئ والأخلاق الإسلامية.

وأكد زين العابدين مصمودي، أن والده نذير، كان يستمع إلى كل فرد من العائلة ويعاملهم بطيبة ورحمة وعلمهم كيف يحلوا مشاكلهم في هدوء، حيث يتريث في اتخاذ القرارات ولا يغضب ويواجه المشاكل بصبر.

الوزير الأسبق عبد القادر سماري:
كتيبات نذير الصغيرة أحدثت وقعا في زمن الفرونكوفونيين

قال الوزير السابق عبد القادر سماري، إن الكتابات الأولى للمرحوم نذير مصمودي، كان لها وقع في زمن كان فيه التيار الغالب للفرونكوفونيين، وإن كتيباته الصغيرة، شدت انتباه الشباب في ذلك الوقت، واستطاعت أن تحدث تغييرا وتحيي الدعوة للتمسك بالمبادئ الإسلامية الصحيحة. وأوضح، أن الفكر الدعوي الذي قام به مصمودي وأبو جرة سلطاني وثلة من الرجال الغيورين عن الإسلام، حينها لم يكن التدين المظهري الموجود حاليا، حيث كان المرحوم نذير يبحث في أمهات الكتب وقتها.

وقال سماري “إن رجلا استطيع أن أقول عليه “الدينامو” في الجنوب، وهو عبد المنعم بالصغير تعرفت عليه في الدراسة، كان مسؤولا في الجنوب الجزائري عن الدعوة السرية، وقد ساهم معه مصمودي، الذي كان متحررا ولم تذهب به هذه الحرية إلى شطط”.

وأكد الوزير السابق عبد القادر سماري، أن بداية مصمودي وأمثاله في الثمانينات بالفكر الدعوي، تكللت بالانفتاح ودخول معترك الانتخابات ومشاركة التيار الإسلامي.

النائب السابق مسعود عمراوي: نذير كان تلميذا عبقريا

استرجع النائب السابق مسعود عمراوي، ذكريات الدراسة وهو يتحدث عن الإعلامي والكاتب نذير مصمودي، في حفل تكريم هذا الأخير، بالمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية، حيث قال: “كنت زميل المرحوم في المدرسة، ودرست معه السنة الرابعة متوسط، لقد كان عبقريا فعلا دائم الابتسامة، “طوايشي”، لكنه قمة من القمم”.

وكشف في سياق حديثه، عن الجانب المرح لمصمودي، والمتعلق بمحاولاته الدائمة عندما كان تلميذا، تعجيز الأساتذة في الإعراب والنحو، وكانت له محاولة حسب عمراوي مع الأستاذ شربيلي، الذي رد على نذير مصمودي بأن هذه الأسئلة التعجيزية تليق مع من هب ودب وكونه حافظا للقرآن، ولقواعد اللغة العربية فلا يمكن أن يعجز أمام هذه الأسئلة.

الطاهر دحماني: نذير مصمودي دافع باستماتة لبقاء تيار التعليم الأصلي

تأسف أستاذ الفلسفة بجامعة بوزريعة، الطاهر دحماني، لما أسماه بقبر التيار التغريبي لفكرة التعليم الأصلي في السبعينيات، مؤكدا جهود المرحوم نذير مصمودي في الفصل بين التيارين في وقت كان فيه التطاحن مشتعلا.

وقال دحماني خلال كلمة له ألقاها خلال حفل التكريم الذي نظمه مجمع “الشروق” خص به المرحوم المدير العام لجريدة “الشاهد”، أن الراحل كانت روحه مرحة وكان في وقت الجد جادا في مواقفه وفي وقت الهزل تتميز روحه بالنكتة، متأسفا في ذات السياق أن يتم تكريم الرجال في دوائر “ضيقة” مطالبا في الوقت نفسه بتوثيق مبادرات مجمع “الشروق”، التي كرمت من خلالها أسماء ومشايخ ودعاة تركوا أثرا كبيرا وإرثا لا يستهان به.

الدكتور أحمد سناني: نحناح وعبد المنعم بن صغير صقلا موهبة النذير

تحدث الدكتور أحمد سناني في حديثه عن رحلة الكتابة والخطابة للراحل النذير مصمودي، هذه المرحلة التي بدأ توجه المرحوم فيها إلى الكتابة، فكان مراسلا صحفيا بجريدة النصر ثم بدأ بسلسلة كتيبات تحت عنوان “أوراق إسلامية” بالتنسيق مع أبي جرة سلطاني في قسنطينة، موجهة إلى شباب الصحوة آنذاك فأنجز 6 منها، مضيفا أن الفقيد توجه وقتها إلى الخطابة في مساجد المدينة أين كان مولده، فمن الزاوية بسوق الحشيش إلى مسجد عمر بن الخطاب بحارة الوادي إلى أن استقرّ به المقام في مسجد “بدر” حيث صار خطيبا يقصده الناس من أطراف المدينة بل من ضواحيها والولايات المجاورة، وأضحت خطبه تسجل على الأشرطة وتوزّع عبر الوطن، فأصبح مطلوبا للمحاضرة والخطابة داخل الولاية وخارجها.

من أبرز الذين ساهموا في صقل موهبة الرجل وتهذيبها وتوجيه طاقته يضيف صاحب الشهادة، هو المرحوم عبد المنعم بن صغير، إذ كان يساعده ويوجّهه في اختيار مواضيع الخطب والمحاضرات، وقام بتعريفه وربطه بالشيخ الراحل محفوظ نحناح فصار يرافقه في جولاته عبر الوطن ويرسله إلى الخارج، حيث قال في آخر حياته أنه مدين للرجلين، حيث توّجت هذه المرحلة بترأسه للرابطة الإسلامية للأعمال الخيرية التي كان مقرّها بمسجد البدر سنة 1989، حيث كلّلت هذه المرحلة بتنظيم عديد الأنشطة والتجمعات عبر الوطن، أضحى فيها النذير مصمودي أحد خطبائها الكبار، فمن قاعة حرشة بالجزائر العاصمة إلى القاعة المتعددة الرياضات بالبليدة وسطيف.

وأضاف الدكتور أن الراحل مع بداية الانفتاح السياسي واصل نشاطه مع الشيخ محفوظ نحناح في إطار جمعية الإرشاد الإصلاح وبعدها حركة المجتمع الإسلامي (حماس) وكانت له جهود مشهودة في إطار رابطة الدعوة الإسلامية التي كان يرأسها الشيخ أحمد سحنون رحمه الله، فكان له دور في إقناع المعتصمين بمغادرة مديرية التربية قبل اقتحامها غداة فرض حالة الطوارئ، قاد مسيرة من مسجد “بدر” إلى ساحة المحكمة القديمة بوسط المدينة إثر الغزو الأمريكي للعراق، أسس مجلة “التضامن” بمعية رفيقة سلطاني، ثم ترشح لتشريعيات 1991 عن دائرة بسكرة ولم يفز بها.

الإعلامي خليفة بن قارة: الراحل مجموعة رجال في رجل واحد

بلغة حزينة، توجه الإعلامي خليفة بن قارة بشهادته أمام المشاركين في تكريم المرحوم النذير مصمودي، معتبرا نفسه آخر من يتحدث عن الراحل، وقال إن النذير هو مجموعة من الرجال في واحد، فهو الخطيب والأستاذ والإمام والمناضل والصحفي، فقد اكتشف نفسه بوضوح عندما سافر فكان نقده شرسا حول البيئة السياسية وقتها، وعندما خرج من هيكلة حركة مجتمع السلم استطاع أن يرى الأمور بصورة جديدة وبجرأة لم يكن يمتلكها من قبل، فاعتقد البعض ممن لاحظوا فيه هذا الإختلاف بأنه تهور، الأمر الذي شجعه لمواصلة البحث فكانت نصائحه وإرشاداته مهمة في ميدان الفكر السياسي والإعلام.

وأضاف بن قارة أن المرحوم النذير مصمودي ظهر في الزمن الخطإ وصادق الأصدقاء الخطأ، معرجا في ذات السياق عن لقائه بالراحل فقال “أذكر أنه في يوم من الأيام أتيحت لي فرصة لقاء النذير مصمودي في بسكرة فقال لي وقتها هل تدري أنك كنت أحد الأسباب التي أدت إلى اعتقالي فتعجبت، ثم قال هل تعلم أني أردت تقليدك في تقديم الاخبار فوجدت نفسي في ولاية ورقلة”، فطبعه الهزل والنكتة يقول الإعلامي بن قارة فكان صاحب نكتة بابتسامة.

سليمان بخليلي: نذير كان رجلا متقلب الطباع وليس للحقد مكان في قلبه

ذكر سليمان بخليلي مدير قناة البديل وأحد تلاميذ الراحل نذير مصمودي، بعمله كصحفي مع هذا الأخير، في فترة التسعينيات بمحطة ورڤلة الإذاعية، وكيف تدخل مع مدير المحطة خليفة بن قارة وقتها لأجل إطلاق سراحه، بعد أن حبس مع أول حلقة إذاعية من برنامج “وهديناه النجدين”، فكان أول عنوان للحصة حول “الجبر والاختيار”.

واختلطت شهادة بخليلي مع روح النكتة التي كان يتميز بها الراحل، فقال كنت أهرب من المسجد الذي كان الوالد يشغل فيه الإمامة، باتجاه مسجد بدر في 1975 حيث يخطب المرحوم. وتابع “إن نذير مصمودي كان على جفاء دائم وكان رجل دعوة بامتياز وتميز بخفة الظل وليس للحقد مكان في قلبه، يضيف بخليلي، معددا كرمه ليخلص بقوله: “بغضّ النظر عن مدى اتفاقنا أو اختلافنا مع كل أو بعض ما ذهب إليه، إلا أن ما يسجل في صالحه استماتته في الدفاع عن آرائه وصبره منقطع النظير على ردود مخالفيه وقبول أرائهم والتسامح معهم”.

حمو جقبوب عضو المكتب الوطني لمنتدى الوسطية:
المرحوم كان صاحب فكر وقلم وجرأة

قال عضو المكتب الوطني لمنتدى الوسطية وأحد أصدقاء المرحوم نذير مصمودي إذا أردنا الحديث عن الرجل فنكتفي بالحديث في هذه الشهادة عن الراحل الذي فقدته مساجد بسكرة وضواحيها والساحة الإعلامية، مضيفا بأن ذكر المرحوم يتبعه القول أن صاحب فكر وقلم وجرأة.

وأضاف جقبوب أن نذير مصمودي كان له فكرا يعبر عنه بقلمه ويملك الجرأة ليعبر عن فكره، وما أحوجنا اليوم – يقول صاحب الشهادة – لجرأة مصمودي، لأنه كان يحمل لرسالة ويدافع عنها باستماتة.

الإعلامي فاروق معزوزي:
مصمودي دخل قطاع الإعلام لتثبيت الرأي والرأي الآخر

قال الإعلامي ومخرج الأفلام الوثائقية، فاروق معزوزي، إن نذير مصمودي، دخل قطاع الإعلام والصحافة بهدف تثبيت الرأي والرأي المخالف، فكانت جريدته “الشاهد”، صفة الشاهد والشاهد الآخر، حيث كان يسعى، حسبه، إلى رد الاعتبار للعناوين واللغة العربية الصحيحة وغير المشوهة، والرواية والرواية المقابلة لها، وهو مشروعه الإعلامي الذي كان سينهيه بمشاريع أخرى، ومن خلال قناة خاصة تهتم بالأفلام الوثائقية.

ونقل فاروق معزوزي، عن المرحوم قوله بأنه يريد أن يكون شريكا إعلاميا ورقما مميزا لا يبحث عن دكان إعلامي، حيث المشروع الإعلامي لصب أفكاره ولنقد نفسه ونقد الآخرين في إطار موضوعي حيادي.

وعن خصال المرحوم قال، إنه يعرفه فاترا باردا يتقبل النقد والنقاش، لديه لغة الإصغاء، كان يعاني مرارة ما آل إليه الإعلام، ويغير على اللغة العربية والتي أصبحت في بعض الصحف المكتوبة هجينة مبتذلة.

بلقاسم عجاج: الراحل كان يتعامل مع الصحفي كشريك لا كمالك

أشاد الصحفي بلقاسم عجاج، بمواقف الإعلامي والكاتب نذير مصمودي، الشجاعة، وقال إنه يتعامل مع الصحفيين لا كمسؤول عن جريدة أو مؤسسة إعلامية، بل كشريك يقاسمهم النقاشات والتفكير لإيجاد الحلول والخروج برأي يرضي الجميع.

وقال عجاج، إن المرحوم كان يتميز بالنكتة والمزاح، وإنه يملك علم كبير، لا تستطيع أن تتجاهله، كما أنه دائم الألم على التيار الإسلامي، محاولا تصحيح أفكار هذا التيار، وإهداء عيبوه لأصحابه.

مصمودي: الصوت الذي كان يواجه التطرف محمد بوعزارة

لا أظن أن الحديث عن مسعاي الإنساني في مسألة إطلاق سراح المفكر الإسلامي الراحل النذير مصمودي في شهر رمضان من عام 1992 يفيد القارئ كثيرا.

لم أكن أعرف هذا الرجل الذي كان موصوفا تلك الفترة بانتمائه لما كان يُصطلح عليه بالفكر الإخواني، وبالتعبير الشعبي (الخوانجية) خلال تلك الفترة العصيبة وما قبلها من تاريخ الجزائر، فقد كانت بلادنا تعيش مخاضا عسيرا بعد توقيف المسار الانتخابي إثر الفوز الكاسح الذي حققته الجبهة الإسلامية المحلة في الدور الأول من تشريعيات الـ 26 ديسمبر 1991.

كانت جل البرامج الدينية في التلفزة الوطنية في تلك الفترة تقتصر على مجموعة من الشيوخ الذين كانوا يقدمون أحاديث دينية أو برامج هي أقرب إلى الوعظ والإرشاد منها إلى إعمال الفكر العميق والاجتهاد العلمي.

ورغم العلاقات الطيبة التي كانت تربطني بطاقم المديرية العامة للتلفزيون إلا أن منظورنا الإيديولجي، وبالتالي نظرتنا لما يجب أن تكون عليه البرامج الدينية في التلفزيون الجزائري خصوصا كان غير متجانس.

كما أن منظور بعض المسؤولين في النظام القائم تلك الفترة كان يتناغم مع منظور الكل أمني، خاصة بعد العملية الإرهابية الشنيعة التي وقعت في قمار خلال حكومة الراحل رضا مالك.

ولمواجهة الخطاب الديني المتطرف الذي تم تبنيه في المساجد وفي الشارع من طرف جماعة الفيس المحل فقد طرحت على الراحل عبدو بن زيان فكرة إنتاج برامج دينية وسطية هادفة تواجه ظاهرة التطرف بأسلوب هادئ غير متشنج.

وكان لابد لمثل هذه البرامج أن تنال موافقة وزارة الشؤون الدينية التي كان على رأسها في ذلك الوقت الساسي العموري الذي كانت لي به سابق معرفة، وكان الأستاذ بوعبد الله غلام الله أمينا عاما لتلك الوزارة والذي سبق لي أن عرفته عندما كان مديرا لجريدة الشعب حيث اتصلت به وأرسلت له الصحفي بخليلي الذي استلم منه الموافقة على البرنامج.

وقد وجدت في الصحفي الشاب سليمان بخليلي الذي كان الوجه البارز في محطة ورقلة للتلفزيون التي كنت على رأسها، العنصر الذي يمكن له ان يقدم هذا النوع من البرامج الدينية الهادفة، خاصة أنه كان حافظا لكتاب الله وهو في سن التاسعة وقد أمَّ الناس في المسجد وهو في نفس السن، وكذا لتمكنه من المسائل الدينية، كما أن والده الشيخ أحمد بخليلي رحمه الله الذي عرف بفكره المعتدل تولى قبل ذلك الإمامة والإفتاء في مسجد النصر ببسكرة.

كانت الرسالة التي طلبتها من الصحفي سليمان أن يكون برنامجُه عاكسا للفكر الإسلامي المعتدل ونابذا لخطاب العنف والكراهية والتطرف بكل أشكاله ومضامينه وأن يُظهر هذا البرنامج الصورة السمحة الناصعة للدين الإسلامي كدين يقوم على الحوار.

كانت الأفكار التي جمعتها عن النذير مصمودي رحمه الله أن الرجل يمتلك فكرا معتدلا، وأنه يملك خطابا مؤثرا في الشارع يمكن أن نواجه به الخطاب المتطرف لجماعة الفيس، إذ كان المصمودي إماما خطيبا في مسجد “بدر” ببسكرة من 1979 إلى 1992 ينتظر الناس خطبته عدة ساعات، وكانت خطبه تدوم في الغالب أكثر من ساعتين.

وهكذا شرعنا عبر محطة ورقلة للتلفزيون في بث برنامجين دينيين اثنين بعنوان:

ــ نور على نور.

ــ وهديْناهُ النجدين.

وقد انفردت محطة ورقلة حينها بتلك النوعية من البرامج لإيماني بأهميتها لمواجهة التطرف والعنف الذي كان قد بدأ يتبلور بشكل ينذر بكل المخاطر على مستقبل الوطن وتماسك الشعب.

شارك في البرنامجين مجموعة من المشايخ والأساتذة من بينهم الشيخ أحمد حماني وعبد الرحمن الجيلالي والشيخ الدحاوي إلى جانب النذير المصمودي رحمهم الله والشيخ محمد مكركب وغيرهم.

بينما شارك في برنامج “نور على نور” عدد آخر من بينهم الدكتور مبروك زيد الخير الذي كان حينها مديرا للشؤون الدينية بولاية الأغواط وكان ما يزال بعد في ريعان شبابه، والشيخ صالح اسماوي رحمه الله.

وعلى ما أذكر فإن برنامج “وهديناه النجدين” الذي شارك فيه المرحوم المصمودي تضمن 30 حلقة، وقد تم تسجيل تلك الحلقات معه في بيته ببلدة الدروع بولاية بسكرة.

وقد بدأ بثُّ تلك الحلقات يوم أول رمضان من عام 1992، وكان ذلك يوم سبت على ما أذكر، ولكن الغريب في الأمر أنه تم اعتقال الشيخ نذير المصمودي في اليوم الموالي من بث ذلك البرنامج التلفزيوني والزجُّ به في سجن مدينة ورقلة وذلك بسبب الاحترازات الأمنية التي طالت في تلك الفترة مختلف القيادات والتيارات الإسلامية وعلى رأسهم قيادات الفيس.

وأتذكر أن جريدة الشعب طلعت علينا في ركن (عيون ومراصد) بخبر ذكرت فيه متعجبة أنه في الوقت الذي يطل فيه الشيخ النذير مصمودي على المشاهدين من شاشة التلفزيون العمومي ليشرح للناس ما إذا كان الإنسان مُجبرًا أم مُخيرًا، فإن الشيخ المصمودي يوجد رهن الاعتقال في سجن ورقلة !!

وقد وجدت مُعد ومقدم البرنامج الصحفي سليمان بخليلي يتصل وهو في حالة قلق شديد ويُخبرني أن النذير مصمودي أحد المشاركين في برنامجه التلفزيوني معتقل بسجن ورقلة ويطلب مني إمكانية التدخل لإطلاق سراحه.

والواقع أن قضية التدخلات في تلك الفترة بالنسبة للأشخاص الذين تم الزج بهم في مختلف السجون والمحتشدات بالجنوب الجزائري في ظل ذلك الوضع كانت مسألة حساسة للغاية.

وهكذا، فبعد أن استجمعت كافة المعلومات التي تؤكد براءة الراحل، فقد اتصلت بالجهات المعنية، ومن بينهم الصديق عبد الحميد جوادي قائد الناحية العسكرية الرابعة في ذلك الوقت الذي تفهم الأمر بعد الاطلاع على ملف المعني، إذ تم إطلاق سراح الراحل مصمودي في ظرف قياسي وعاد إلى بيته وذويه، رحمه الله.

وقد تولدت منذ ذلك الوقت علاقة طيبة بيني وبين الراحل، فكان التواصل يتم بيننا من حين لآخر.

وأتذكر أنه لدى عودته إلى أرض الوطن من الخارج وتأسيسه لجريدة “الشاهد” عام 2012 فقد راح يتصل بي ويحثني على المساهمة بمقالات في تلك الجريدة التي جعل منها منبرا حرا للفكر المتزن.

ومازلت أتذكر أنني وعدته بالكتابة قائلا له: كيف لا أكتب في جريدة تحمل لقب والدتي وأخوالي من عائلة الشاهد. وعندها راح يقول لي مبتسما رحمه الله: أرجوك يا سي محمد قل لهم ألا يطالبوني بحقهم في التملك والوراثة ما دامت جريدتي تحمل لقبهم !!

وقد كنت ومازلت أرى في الراحل مصمودي صوت العقل والفكر الذي كان لابد من أن نواجه به خطاب التطرف والغلو الذي ميز تاريخ الجزائر في تلك السنوات المجنونة..

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • Mahboul

    ما شاء الله عندنا كل هذو الدعاة والمفكرين في بلادنا وعلى رأسهم أبو جرة. هل تساءل هذا الأخير ماذا كان سيفعل مصمودي لو كان اليوم على قيد الحياة وعن موقفه مما يحدث في بلادنا؟

  • العربي

    يقول تعالى ( تلك امة قد خلت لها ماكسبت ولكم ما كسبتم ) صدق الله العظيم