نريد أفكاركم.. وليس لكماتكم؟
عندما تتابع ما دار في بيت البرلمان، في الأيام الأخيرة من “ركل ورفس” وخاصة ما بين وزير المالية السيد عمار بن خالفة، ونواب المجلس الشعبي الوطني، وتقرأ مختلف الصحف وتتابع الفضائيات وأحاديث الشارع الجزائري، تتخيل أن الحياة مادة فقط في الجزائر، منها يحيى الناس، وفي غيابها يموتون، وعلى رنين الدينار والدولار يلقون ربهم.
هوس المادة يبدأ من قمة السلطة التي احتست ما يوجد من عسل في آبار النفط على مدار عقود، من دون أن تتعلم صناعة العسل بجهدها الخاص، وهاهي الآن تبحث عن العسل في جيوب المواطنين. وإذا كان الإجراء الذي ستقوم به الدولة عبر رفع أسعار مختلف المواد، وجميعها قادم عبر البواخر والطائرات من القارات الخمس لا مفرّ منه، فإن السيد وزير المالية حدثنا عن الأرقام النهائية فقط، من دون أن يقدم لنا أي معادلة جديدة بإمكانها أن توصلنا إلى الرقم الذي نتحكّم فيه ولا يتحكّم فينا، والنواب الذين رفضوا هذه الأرقام وتعاركوا عليها، اعترضوا بحجة لا أحد يصدقها وهي “الدفاع عن القدرة الشرائية للمواطن”، من دون أن تكون لأي منهم الجرأة، ولا نقول فكرة واحدة لإيجاد حلول معنوية، لأزمة مالية خانقة، صار ينام ويصحو على وجعها كل الجزائريين، فتأتيهم في منامهم مثل الكوابيس، وتتحوّل إلى حقيقة في يومياتهم، وهم يرون أن القفة التي كانوا يخرجون بها إلى السوق، صارت تعود شاغرة سالمة، كما ولدتها أيادي صانعيها.
عندما كان وزير المالية في القاعة التي يقال إنها تجمع ما يسمى بنواب الشعب، يطعن ويقصف من دون “إصرار ولا ترصد” أو “مجبر أخوك لا بطل” بأرقام صعبة وبريشة سوّدت المشهد المستقبلي العام للبلاد والعباد، كان وزير الشؤون الدينية ووزيرا التربية والتعليم والجامعات ووزيرا الفلاحة والصناعة يتابعون أرقام السيد وزير المالية صامتين مثل “الطرشان في عرس”، وكأن قطاعاتهم بريئة من “الطعن والقصف” الذي اشتركت فيه كل الوزارات، ولكن هذه المرة مع سبق الإصرار والترصد. فقد عجزت المدرسة والجامعة بالملايير التي صُرفت على التدريس وتكوين الأساتذة عن منحنا عبقريا واحدا، كما تمنح المدارس اليابانية والأمريكية لمختلف القطاعات من أصحاب الحلول، وعجزت وزارة الأوقاف التي تبني الجوامع وتكوّن الأئمة، عن تفسير آيات الكدّ والعمل الموجودة في كتاب الله وأحاديث النبي الشريفة، وعجزت وزارة الفلاحة التي عصفت بالملايير في وقت وجيز، عن زرع سنبلة واحدة من عرق الجزائريين، وفشلت وزارة الصناعة من الخفيفة إلى الثقيلة عن صنع إبرة واحدة نخيط بها هذا الثوب الممزق على جسدنا حتى كاد يُبدي عوراتنا، فجاء رد البرلمانيين دون مستوى الردّ فاكتفى بالبدن دون الفكر، وجانبت السيدة لويزة حنون المبتغى عندما قذفت وزير المالية بالخيانة العظمى، بالرغم من أنه قرأ أرقاما مالية، كانت نتيجة منطقية لمعادلة من الفوضى، شاركت السلطة وكل الوزارات وكل البرلمانيين والشعب كله فيها.
لقد حسبناها من الأول بالأرقام، فكانت ترتفع مع ارتفاع أسعار النفط، فنقول هذا من فضلنا، وهاهي الآن تنزل إلى الصفر.. فماذا نحن قائلون؟
وحسبوها الآن بالأبدان وليس بالأفكار.. فماذا نحن فاعلون؟