جواهر
يجدنها في الأودية والأحراش

نساء جانت يستعن بالأعشاب لتحضير أكلات رمضان

سمية سعادة
  • 1385
  • 4
ح.م

لم تعد حرفة التداوي بالأعشاب الطبية حكرا على الرجال دون النساء، بل صار الجزائريون يتهافتون على تعلُّمها لأسباب مختلفة أهمُّها الإقبال الذي أصبحت تعرفه خاصة من قبل المرضى الذين لم يُسعفهم الحظ في إيجاد الشفاء عن طريق الأدوية المتنوعة التي تُباع في الصيدليات.

كما أنّ انتشار ثقافة جديدة لدى الجزائريين خلال السنوات الأخيرة، جعلتهم ينتبهون إلى المنافع الكثيرة التي توجد في الأعشاب الطبية، حيث أصبحنا نسمع فكرة تتردّد لدى هؤلاء مفادها “إذا ما نفعوكش ما يضرُّوكش”، ويقصدون هنا الأعشاب الطبية التي إذا لم تنفع مستهلكها فلا تضرُّه على عكس تلك الأدوية التي الكيميائية التي تخرج من المخابر؛ غير أنّ من الضروري التنبيه إلى أنّ هذه الفكرة صحيحة نسبيا، لأنّ استهلاك بعض الأعشاب قد يُضرُّ بصاحبها، خاصة إذا كان ممّن يُعانون من الأمراض المزمنة.

ويبدو أنّ البحث عن تعلُّم كيفيات التداوي بالأعشاب الطبية، لم يعد مقتصرا على سكان المدن الكبرى، حيث نجد المحال التي تبيع مختلف الأعشاب المحلية والمستوردة، ولكن هذه الغاية شملت أيضا سكان الولايات والمناطق الجنوبية، وخاصة لدى فئة النساء اللّواتي أصبحن لا يتردّدن في البحث عن الأعشاب الطبية في الأودية والأحراش ومختلف الأماكن التي تنمو فيها هذه الأعشاب بشكل عشوائي.

ومن النساء النشطات في هذا المجال بمنطقة جانت في الجنوب الجزائري، السيدة عائشة مشار، وهي رئيسة جمعية تنشط في هذه المنطقة، وتُقدّم خدماتها للسكان الذين يلجؤون في العديد من الأحيان إلى هذه السيدة الخبيرة بفوائد الكثير من الأعشاب الطبية التي تنبت هناك، حيث أكدت لــ “جواهر الشروق” على هامش معرض خاص بالأعشاب الطبية أُقيم بالجزائر العاصمة، أنّ أغلب الأعشاب يتمُّ الحصول عليها من الأودية الموجودة بمنطقة جانت، وخاصة نبات الشيح الذي يُعرف باسم (عين أبربر) بالتارقية. كما كشفت بأنّ أغلب تلك الأعشاب التي توجد داخل بيوت سكان هذه المنطقة، إنّما يتمُّ استعمالها للتداوي من بعض الأمراض مثل الحمى، الصرع، الشقيقة، المعدة. ومن أشهر تلك الأعشاب التي يستخدمها بدو الصحراء للتداوي نجد تبرينت، تاطانت، تراجلي، ألفستر، أكامن، تيكمازوتين، أبالغلاغ، وهي كلُّها أسماء تلك الأعشاب بالتارقية.

وتُضيف عائشة، أنّه علاوة على الاستخدامات المتنوعة لتلك الأعشاب والنباتات الطبيعية في التداوي، فإنّ التوارق يستعملون أيضا بعض الأعشاب في الحساء، خاصة وأنّ شهر رمضان يتطلب تنويعا في الأطباق، ويتطلب أن تكون ربة البيت عارفة بكلّ الكيفيات والمواد التي تزيد من لذة الأكلات التي تحضرها وتُقدّمها لأفراد العائلة، وحتى للضيوف. وفضلا عن ذلك تؤكد هذه المختصّة في الأعشاب الطبيعية، أنّ بعض النباتات تُقدّم للمرأة عند الولادة مثل الوزوازة والفجل، كما يُنصح بها من يُعانون من أمراض الكلى.

ومن المثير أن تعترف هذه السيّدة بأنّ كلّ الخبرات التي اكتسبتها فيما يتعلّق بطرق وكيفيات استخدام تلك الأعشاب، لم تتلقّاها عن طريق مختصّين في التداوي بالأعشاب الطبية، كما لم تتعلّمها في معاهد أو مدارس مختصّة في هذا المجال، ولكنّها استطاعت أن تُلمّ بالكثير من تلك المعارف من خلال أفراد الأسرة الذين سبقوها إلى هذا المجال، كما أنّ الكثير من سكان منطقة جانت يُقبلون على معرفة فوائد الأعشاب الطبية لكونها الوسيلة الوحيدة، وربما الأكثر نجاعة، للتخلُّص من بعض الأمراض التي يعجز الأطباء عن معالجتها.

ومن الأمور الأخرى التي تعلّمها السكان جرّاء استعمالاتهم المتنوعة لتلك الأعشاب الطبية، معرفة أماكن تواجدها وكذا الفصول التي تنبت فيها، وهذا ما يُسهّل عليهم جمعها والاحتفاظ بها في بيوتهم، حيث لا يكاد بيتٌ من بيوت مدينة جانت وضواحيها يخلو من هذه الأعشاب الطبيعية.

عندما قيل قديما الحاجة أمُّ الاختراع، فإنّ لجوء النساء في منطقة جانت لتعلُّم ومعرفة الكثير عن الأعشاب الطبية الطبيعية، إنّما هو تلبية لحاجة لدى هؤلاء النسوة وأسرهنّ في طلب العلاج الذي يبدو أنّه من الأمور التي يعزُّ الحصول عليها، خاصة في المناطق النائية. وبالنتيجة، فإنّ العودة إلى طرق العلاج التقليدية تُصبح من أنجع الوسائل وأفضلها، حتى لا يهلك المرضى بسبب انعدام التكفُّل الصحي الملائم.

مقالات ذات صلة