جواهر
يُفضّلن رعاية أبنائهنّ اليتامى

نساء يوقفن حياتهن بعد وفاة أزواجهن

سمية سعادة
  • 5524
  • 7
ح.م

كتب أحد الشعراء الجزائريين على صفحته الشخصية “الفايسبوك” على الانترنت نعيا مؤثرا لإحدى قريباته إثر انتقالها إلى جوار ربها بعد أن جاوزت القرن من عمرها. وممّا جاء في هذا النعي أنّ هذه السيدة الفاضلة ترمّلت في شبابها، أي رحل عنها زوجها تاركا وراءه أبناء ذاقوا اليُتم صغارا، ومع ذلك آثرت هذه الأم أن تتنازل عن كلّ شيء من أجل أن تُربّي أبناءها، وتكون لهم سندا حتى يكبروا، ويقدروا على مواجهة مصاعب الحياة.

ولا شك أنّ قصة هذه المرأة التي تُعدُّ من القصص المؤثرة بالنظر إلى حجم التضحيات التي تبذلها الأمهات في مثل تلك الحالات من أجل أبنائهنّ، تتواتر كثيرا في مجتمعنا، إن لم نقل في أغلب مجتمعاتنا الإسلامية، حيث تُفضّل الكثير من النساء اللّواتي يفقدن أزواجهنّ ويترمّلن في سن مبكرة، أن ينهضن بتربية الأبناء، ويرفضن بالتالي إعادة تجربة الزواج، مع أنّ الشرع يُعطيهنّ الحقُّ في ذلك، وهو الأمر الذي يوضح بشكل لافت أنّ تضحيات الأمهات لا تساويها أية تضحيات..

في إحدى بلديات الجزائر العميقة فقدت السيدة فتيحة.ن زوجها في حادث مرور، ولم تكن قد أكملت الثلاثين من عمرها، وقد أنجبت منه ثلاثة أبناء، ولدان وبنت، تركهم والدهم ولم يكونوا قد أتمُّوا المرحلة الابتدائية في مشوارهم الدراسي، فما كان من هذه الأم المكافحة إلا أن شمّرت على ساعديها، وراحت تفعل المستحيلات لتربية أبنائها الثلاثة، وتُشعرهم أنّ رحيل والدهم لن يُؤثر على مستواهم المعيشي، فكانت تشتغل بإخلاص في مهنتها كمعلمة، دون أن تتناسى أو تُهمل واجباتها كأم وربة بيت عليها عبءُ الإشراف على حاجيات أبنائها من مأكل وملبس، وحتى متطلباتهم وواجباتهم المدرسية التي لم تتردّد يوما في مساعدتهم على أدائها على أكمل وجه.

ومع مرور السنوات التحق ابنُها الأكبر بالجامعة بعد حصوله على شهادة البكالوريا بمعدل جيد، في حين أتمّت أخته مرحلة التعليم المتوسط بامتياز والتحقت بالثانوية، بينما استطاع أخوهم الأصغر أن يُحقّق، من جهته، نتائج جيدة في المرحلة المتوسطة.

ولم تشعر هذه العائلة بالرحيل المبكر للوالد بفضل تلك التضحيات التي قدّمتها هذه المرأة المكافحة لإسعاد أبنائها، وإيصالهم إلى برّ الأمان من دون معاناة أو آلام قد تُسبّبها الحياة بعد فقدان الأب والمعيل..

في تجربة أخرى لا تقلُّ عن التجربة الأولى في مستوى التضحية والإخلاص، فضّلت السيّدة رشيدة.ك، أن تهجر كلّ مُتع الحياة بعد وفاة زوجها الذي ترك لها ولدان (خديجة ومحمد)، وآثرت أن ترعاهما بوفاء وتُحسن تربيتهما وتعليمهما، مع أنّها كانت ربة بيت، لم ترث عن زوجها سوى بيت متواضع كانت تُؤجّر فيه دكانا، ولم يكن لديها سوى العائد الذي تجنيه من تأجير الدكان لإعالة أبنائها وتدريسهم وتلبية جميع مطالبهم، فكانت نعم الأم، حيث لم تبخل على أبنائها بأيّ شيء، بل كانت حياتهم أفضل حتى من بعض أقرانهم في المدرسة ممّن يحظون برعاية الآباء والأمهات.

ومع أنّ مثل هذه التضحيات التي تبذلها الأمهات عند رحيل الأزواج في سبيل رعاية الأبناء لم تنقطع يوما في المجتمع الجزائري، إلا أنّ الكثير من الحكايات، التي هي أشبه بالأساطير، تلك التي يرويها الجزائريون ممّن عاشوا سنوات حرب التحرير التي راح ضحيتها آلاف الشهداء، تاركين خلفهم أرامل ويتامى، لم تتردّد الأمهات في تلك المرحلة القاسية من حياة الشعب الجزائري في رفع حملها، مع قلة ذات اليد، وقد ربين جيلا من خيرة أبناء الجزائر الذين رفعوا رايتها عالية بعد الاستقلال.

ويظهر أنّ تلك الصور المعبّرة لم تنقطع يوما في مسيرة الجزائريين، وهي متواصلة بوجود مثل هؤلاء النساء الجزائريات اللّواتي يُضحين بكلّ شيء من أجل رعاية أبنائهنّ في أصعب محطات الحياة، وهي فقد الآباء، وهم عماد البيت وقوامها..

مقالات ذات صلة