الرأي

نعم‮: ‬السياسة‮ ‬علم

محمد سليم قلالة
  • 2746
  • 7

نحن في حاجة اليوم، أكثر من أي وقت مضى إلى الثقة في المستقبل. والثقة في المستقبل تستلزم رؤية واضحة وإدراكا تاما لمآلاته وتطوراته المحتملة. وهذه الرؤية الواضحة تستلزم العلم بالمعنى الواسع للعلم، بما يعني من إدراك وفهم للمتغيرات وتحديد واضح للأولويات.

لقد سئل “شون لاي” ذات يوم عن سر ثقته في مستقبل سياسة بلاده فأجاب: سياستنا لا تخطئ لأنها علم. وقد أورد مفكرنا الكبير مالك بن نبي، هذه العبارة في كتابه الشهير: الصراع الفكري في البلاد المستعمرة، في معرض حديثه عن الفرق بين السياسة التي تتمثل في أفكار مجردة والسياسة التي تتمثل في (أفكار مجسّدة)، حيث تحمل الأولى في طبيعتها مبدأ التعديل الذاتي الذي يفرض عليها رقابة نفسها، أي مراجعة نفسها بين الفينة والأخرى، أما الثانية فهي صورة منحطة من الأولى لا تؤمن بالتعديل الذاتي أو التصحيح فما بالك بالتغيير… واليوم نحن نعيش منزلة بين المنزلتين، إما أن تكون سياستنا قابلة لمراجعة “تحميها من أي عامل أجنبي يحاول تغيير مجراها ومرساها”، وتجعل منها “جهازا معدلا يُطلق إشارة الخطر كلما حدث في الطريق أي حدث من شأنه أن يغير في الحركة أو الاتجاه”، كما ذكر “بن نبي” بالحرف، أو تكون سياسة (مجسّدة)، يقول “مالك بن نبي” أيضا بالحرف: “تتشبث بفرد تتجسد في ذاته فتتطور وتنمو، وتنتظم طبقا لمصالحه الشخصية انتظاما تُصبح معه هذه المصالح تلقائيا، هي المسوغات والدوافع لسياسة عاطفية. وقد يحدث أن يتنحى أو يُنحى الفرد الذي يُجسِّد هذه السياسة فيحل محله كائن مركب، أو بعابرة أدق (مركب أفراد) يجمع بينهم اتصال عضوي مثلما يسمى في الطب (التوائم السيامية)…  بواسطة جهاز هضم مشترك، فيُصبح الكائن المركب قائما على تضامن هضمي، فكل ما يمر بحنجرة فرد من الأفراد المركبين يدخل في عملية هضم مشتركة”.

 

وهكذا تصبح القضية ّ”قضية هضم” حتى ولو كانت في الرؤوس المتصلة بالجهاز الهضمي أفكار مختلفة، المهم ألا يعطّل ذلك عملية الهضم “وإلا تخلص مركب الأفراد من الرأس الذي يحمل فكرة مشوشة، وفصله عن الجهاز الهضمي”.

وبالعودة إلى قول “شون لاي” السابق. ومقارنة بما قال “بن نبي” نطرح سؤالنا بالعكس: هل سياستنا علم؟ لنُجيب ونقول أن سياستنا محكوم عليها أن تكون علما إذا أردنا أن نبقى. أما إذا اعتقدنا أن اعتماد أساليب أخرى من شأنه أن يحل محل علم السياسة فذلك الخطأ بعينه، ويكفينا‮ ‬دليلا‮ ‬على‮ ‬ذلك‮ ‬أن‮ ‬تحليل‮ “‬مالك‮ ‬بن‮ ‬نبي‮” ‬السابق‮ ‬الذي‮ ‬يكاد‮ ‬ينطبق‮ ‬على‮ ‬واقعنا‮ ‬اليوم‮ ‬قد‮ ‬تم‮ ‬في‮ ‬سنة‮ ‬1960،‮ ‬وكان‮ ‬في‮ ‬أول‮ ‬كتاب‮ ‬ألّفه‮ ‬باللغة‮ ‬العربية‮… ‬لكل‮ ‬من‮ ‬أراد‮ ‬أن‮ ‬يقرأ‮. ‬وأول‮ ‬العلم‮: ‬إقرأ‮.‬

مقالات ذات صلة