-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
تعددت الأسباب والمأساة واحدة

نفسيات مضطربة ترتكب جرائم قتل مفزعة

سمير مخربش
  • 535
  • 0
نفسيات مضطربة ترتكب جرائم قتل مفزعة
أرشيف

شهدت ولاية سطيف، في الآونة الأخيرة موجة مفزعة من جرائم القتل، التي تراكمت الى أن بلغت الحصيلة 8 جرائم في ظرف شهرين و10 أيام، في صورة تعكس استفحال ظاهرة الاعتداء والقتل العمدي، الذي أضحى هينا لدى البعض رغم عظمة الجرم الذي يعادل قتل الناس جميعا.
بداية هذا المسلسل الإجرامي كانت يوم 8 مارس 2024 يوم قُتل المدعو أنيس ساعي البالغ من العمر 22 سنة، من بلدية بيضاء برج جنوب شرقي ولاية سطيف، الذي تم استدراجه على متن سيارة سياحية الى بلدية عين الحجر جنوب ولاية سطيف، وهناك تعرض لطعنة خنجر قاتلة، ليفتح أنيس قائمة ضحايا الإجرام التي امتدت طولا وعرضا لتحتضن أسماء أخرى، أغلبيتها من فئة الشباب ومعهم امرأة قتلت الشهر الماضي على يد زوجها الذي طعنها ثم حاول حرق جثتها وسط كومة صوف.
وقُتل هشام حراد البالغ من العمر 21 سنة من بلدية عين لكبيرة شمال ولاية سطيف، والذي تلقى طعنات خنجر من أحد أقرانه، وقتل عبد السميع درافة البالغ من العمر 31 سنة، بمنطقة لمزارة ببلدية قجال بولاية سطيف، والذي دهسه ابن عمه بجرار فلاحي، ما تسبب له في جروح خطيرة أدخلته قاعة الإنعاش بمستشفى سطيف مدة 5 أيام، فارق بعدها الحياة.
وبتاريخ 27 أفريل 2024 قتل مهدي خمليش يبلغ من العمر 23 سنة من بلدية أوريسيا شمال ولاية سطيف، وبتاريخ 3 ماي 2024 قُتل رجل يبلغ من العمر 56 سنة ببلدية عين ولمان جنوب ولاية سطيف إثر شجار داخل مقهى.
وبتاريخ 17 ماي 2024 نشب خلاف عائلي بين أبناء العم ببلدية قصر الأبطال جنوب ولاية سطيف، انتهى بشجار حاد تلقى على إثره شاب يبلغ من العمر 27 سنة ضربة بقضيب حديدي وطعنة خنجر لفظ بعدها أنفاسه الأخيرة، وكان ثامن الضحايا بولاية سطيف في ظرف شهرين و10 أيام.
ليكون بذلك مسلسل القتل قد امتد من شهر مارس إلى غاية شهر ماي، وتكون ولاية سطيف خلال هذه الفترة قد عاشت مناسبات دينية ووطنية منها شهر رمضان وعيد الفطر وعيد العمال وذكرى مجازر 8 ماي 45 تخللتها 8 جرائم هزت كيان العائلات، في مسلسل رهيب غيّب 7 شبان وثامنتهم امرأة.
وهناك طفل سقط من القائمة بأعجوبة بعد غرز خنجر في رأسه، لكن الطاقم الطبي نجح في إنقاذ حياته.

التفكك الأسري طريق معبد نحو السجون
لهذه الجرائم أسبابها وظروفها التي تعددت، لكنها تشترك في الغضب والخروج عن الوعي، وحمل الخنجر وتوجيهه نحو الخصم في لحظة هيجان هي أقرب إلى الجنون من العقل، وفي تصريح للشروق يقول الأستاذ مباركي عبد الحفيظ المختص في علم الاجتماع بأن الإقبال على مثل هذه الجرائم له دوافع ومسببات سوسيولوجية ترتبط بمكونات المجتمع وبالخلية الأولى التي تحتضن الفرد، وهي الأسرة التي فقدت العديد من مقوماتها كغياب سلطة الأب الذي كان في السابق يعرف بهيبته وقدرته على تسيير شؤون الأسرة، لكن اليوم فقد هذه الميزة وأصبح الابن منافسا له ومتمردا يرفض هذه السيطرة، وطغت عليه الأفكار المادية الناتجة عن نظرته للآخرين التي تجعله يحقد على أسرته ويرفض الواقع الذي يعيشه. كما فقدت أيضا يقول محدثنا الأم دورها التربوي، خاصة تلك التي اقتحمت ميدان العمل وتخلت عن مسؤوليتها تجاه بيتها وأبنائها، وهنا ينشأ التفكك الأسري الذي يدفع كل فرد إلى تحقيق ذاته المادية، ويسعى إلى ذلك بمختلف الطرق بما فيها القتل والاعتداء على الآخرين.
ومن جهة أخرى، يقول الأستاذ بأن العامل الآخر يتعلق بالمجتمع الذي يشهد تصدعا خاصة في الوسط الشبابي الذي طغت عليه النظرة المادية في ظل الانتشار الملحوظ لظاهرة تعاطي المخدرات التي تكاثرت في الأوساط الشعبية وأخرجت الشباب عن وعيهم الاجتماعي، وولدت عندهم تلك النظرة الانتقامية التي دفعتهم إلى حمل الخناجر، واستسهال عملية الاعتداء على الآخرين، وهم يرون في ذلك قوة واثباتا للشخصية. فالمعتدي في نظر البعض هو البطل الذي سيتحدث عنه الناس ويذكرونه في جلسات السمر ويصورونه كبطل فيلم، ويتزامن ذلك مع انتشار أفكار غريبة وسط المجتمع مثل “الحبس للرجال”، “الثار ولا العار”، وكلها عوامل تساعد على الإقدام على القتل والاعتداء.

سلوكيات الإجرام لها جذورها
وأما الأستاذ عبد العزيز بن قصير، المختص في علم النفس التربوي بجامعة سطيف فيقول في تصريح للشروق اليومي أن المجرم الذي يقبل على القتل يكون شخصا مضطربا ضعيفا أمام انفعالاته، ولا يمكنه التحكم فيها وليست له القدرة على ضبط النفس، ولذلك يقدم على فعل من دون تخطيط ولا دراسة العواقب وقد يكون مصابا باضطرابات الشخصية المعادية أي التي تعادي المجتمع وتقوم بسلوكيات ترفضها العامة وتمقتها، وهي ميزات يكتسبها من سن المراهقة، فتجده يكره المدرسة ويفضل الهروب منها ويحب إلحاق الضرر بالآخرين والممتلكات وحتى الحيوان، وله الرغبة في حمل السلاح والاستعداد الدائم للهجوم، لأنه فقد أبجديات التواصل، فلم يعد يقدر على التعبير على مشاعره بطريقة صحيحة، وكل هذه صفات إجرامية يشترك فيها المعتدون على الآخرين.
وعادة يتوافق المجرمون فيما بينهم فتجمعهم الصداقة والأفكار المشتركة ويفضلون مثلا تناول المخدرات فيما بينهم والابتعاد عن غيرهم. مع العلم يضيف محدثنا أن المخدرات تزيد الرغبة في الإجرام وتؤثر على النفسية والجهاز العصبي، فهم ناقمون على المجتمع ومستعدون للانتقام بدون تأنيب الضمير. من جهة أخرى إذا عاش الطفل في بيئة قاسية وسيئة فإن ذلك يزيد في نسبة ميله الإجرامي، وهناك العديد من المجرمين عاشوا طفولة صعبة كان لها انعكاس على سلوكهم الاجتماعي.
وبالعودة إلى الجرائم المرتكبة بولاية سطيف في الآونة الأخيرة، فإنها تبقى بحاجة إلى دراسة عميقة تمتد إلى العوامل النفسية والاجتماعية، وكذا دور الوازع الديني الذي يقدر النفس البشرية، ويعتبر قتل النفس من الجرائم الكبرى مصداقا لقوله تعالى: “مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!