-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

نكبة التعريب في الجزائر وتداعياتها

الشروق أونلاين
  • 2584
  • 0
نكبة التعريب في الجزائر وتداعياتها

د‮/ ‬محمد‮ ‬العربي‮ ‬الزبيري

في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد حاولت الجزائر بناء وحدة اندماجية مع الجماهيرية الليبية التي أبدت كل الاستعداد لذلك ، ولو تمت العملية بنجاح ،وقد كادت، لكان للتعريب مصير آخر ولقضي، نهائيا ، على التوجه الفرنكفيلي ولبعثت من جديد وبكيفية جدية تلكم الثورة الثقافية التي طالما رفعنا شعارها ولم نتمكن من تجسيدها على أرض الواقع .لم يكن مشروع الوحدة مبنيا على فراغ ، بل إن الطرفين الجزائري والليبي قد بذلا كل ما في الوسع من جهد وإمكانيات ليكون انطلاقه من قاعدة اقتصادية متينة ولتكون منظومة الأفكار التي تغذيه معبرة ، فعلا ، عن طموحات الجماهير الشعبية الواسعة . ومن جملة التنازلات الكبيرة التي قدمها الطرف الليبي ، في ذلك الحين ، عدم اعتراضه على أن يصاغ دستور الوحدة انطلاقا ، فقط ، من الميثاق الوطني الجزائري ومن أدبيات الحركة الوطنية التي كانت في أساس ثورة نوفمبر 1954.

وفي الميدان الاقتصادي ، تجدر الإشارة إلى الاقتراح الليبي القاضي بدمج معمل مصراته للحديد والصلب في مثيله معمل الحجار الذي كان ، يومها ، في حاجة ماسة إلى التوسع من أجل حل مشاكل التضخم في التقنيين والعمال على حد سواء . وصاحب ذلك الاقتراح تعهد السلطات الليبية المختصة بتحويل العتاد التكنولوجي الذي استعمل لإنجاز النهر العظيم إلى الجنوب الجزائري ، مجانا ، قصد الشروع في الحل النهائي لمشكل المياه ببلادنا .

لم تكن تلكم الأمثلة يتيمة ، بل إن غيرها كثير ومتصل بمجالات الفلاحة والتجارة والصناعة خاصة .وكانت القيادة السياسية الجزائرية في معظمها مدركة لما تشتمل عليه الوحدة من فوائد جسيمة للشعبين، ولذلك فإنها لم تتردد في إصدار اللوائح المشجعة على مواصلة المساعي الكفيلة بتحقيقها في أقرب الآجال ، لكن سلطة القرار لم تكن بيديها ، بل في حوزة مناهضي التوجه العربي الإسلامي الذين فضلوا التضحية بالمكاسب الاقتصادية لسد الطريق في وجه التعريب الذي كان ينطلق الانطلاقة السليمة والنهائية لو تحققت الوحدة الاندماجية التي نوقش دستورها بكل حرية وديمقراطية من طرف الجماهير الشعبية الواسعة التي أبدت ارتياحها المطلق للمشروع وهو ذلكم الارتياح الذي دفع التغريبيين ، بجميع أصنافهم ، إلى الإسراع بمؤامرة أكتوبر 1988 التي قضت على الأمل في الوحدة المغاربية والحلم بإمكانية بعث العهد ألموحدي من جديد .

وكانت الفوضى التي تسترت بالتعددية الحزبية الشكلية وبالديمقراطية الزائفة وسيلة ناجعة وظفها أعداء الوطن ،المتمكنين من مناصب الحل والربط والمسيطرين على المناصب الأساسية في سائر دواليب الدولة، للتراجع على كل ما حققه التعريب من مكاسب . وجاءت الضربة القاضية متمثلة في تجميد قانون تعميم استعمال اللغة العربية الذي يبدو أنه أقبر إلى الأبد .

وتعرض المحيط في أغلبية المدن ،بأحجامها المختلفة ، إلى فرنسة مكثفة حتى وكأن المتجول في شوارعها يخال نفسه في إحدى مستعمرات فرنسا التي مازالت لم تتحرر . وقع ذلك ، ويقع أمام أعين السلطات المحلية التي تدرك كل الإدراك أن في ذلك خرقا فاضحا للدستور واعتداءا سافرا على أرواح ملايين الشهداء الذين ضحوا ، راضين ، بأنفسهم في سبيل استرجاع السيادة الوطنية المغتصبة ومن أجل إعادة بناء الدولة بكل مقوماتها .

وفي مجال التعليم ، لجأ التغريبيون إلى عديد الحيل لإعادة الفرنسة بحجة إصلاح ما أفسدته المدرسة الأساسية . والواقع أن اتهام المدرسة الأساسية مجرد ادعاء كاذب ،وبقايا الجزائريين أنفسهم يعرفون ذلك لكنهم يستعملونها كذريعة يوهمون الناس ، من خلالها ، بأن المدرسة الأساسية هي التي مهدت للإرهاب وكونت الإرهابيين ، وهي التي لم تسمح للمنظومة التربوية بأن تتقدم قصد تمكين المجتمع الجزائري من الارتقاء إلى مصاف المجتمعات المتطورة .

إن أعداء التعريب يتناسون أن المدرسة الأساسية قد كونت كل الجزائريات والجزائريين من أبناء الجيل الذي يتهمونه بالإرهاب بما في ذلك أبناءهم . ويتناسون ، كذلك ، أنهم ، هم الإرهاب الحقيقي بما نشروا، في المجتمع، من أمراض مستوردة مثل الرشوة والمحسوبية والجهوية الضيقة ، وبما تسببوا في ترسيخه من رداءة ومن قطيعة مع التاريخ والتراث الوطنيين .

وكان على آباء المدرسة الأساسية أن يردوا على كل تلك الأباطيل بالقول ، وهو صحيح : إن الذين ظلوا وما زالوا يسيرون البلاد، منذ أن استرجعت استقلالها الوطني، إنما هم، في أغلبيتهم الساحقة ، أبناء المدرسة الاستعمارية أو أبناء أبنائهم ممن ارتضوا قابلية الانبطاح أمام المحتل السابق وتشبعوا، نتيجة الجهل ، بروح العداء لكل ما هو عروبة وإسلام .

ومن مظاهر نكبة التعريب في الجزائر ،أيضا، ما صاحب الفوضى المذكورة أعلاه من انحلال وتسيب وتشجيع على التشبه الشكلي بالمحتل السابق يقال ، في المستويات العليا ، إنها بعض علامات اللحاق بركب الحضارة الغربية . وصار من أبرز تلكم العلامات استعمال اللغة الفرنسية بدل العربية حتى في المناسبات الرسمية وفي جل المرافق الوزارية . وشيئا فشيئا ، وتحديا للإرادة الشعبية المعبر عنها في النصوص الأساسية ، نعيش ، اليوم ، مناظر مخزية حيث لا يكترث المسئول بمخاطبة المواطنين البسطاء بالفرنسية وهو يعلم علم اليقين أنهم لا يفهمونها .

وفي ختام هذه الحلقة ، نشير إلى أن مسئولية نكبة التعريب في الجزائر تقع، بالدرجة الأولى ، على بقايا الجزائريين الأهالي الذين لم يعودوا يخفون أنهم يطبقون المخطط الذي أعلنت عنه سيئة الذكر : المنظمة السرية المسلحة مباشرة بعد وقف إطلاق النار في التاسع عشر مارس سنة 1962 . واليوم فإن المسئولية، وبدرجة لا تقل عن الأولى ، يتقاسمها ، حسب الترتيب ، ممثلو الشعب في سائر المستويات، وفي مستوى البلديات على وجه الخصوص والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وخاصة منها تلك التي ينشطها وطنيون معربون ومتفرنسون على حد سواء . وللحديث بقية وبقايا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!