الرأي

نهاية التاريخ للولاية بزعيم الطائفة والفقيه

حبيب راشدين
  • 1297
  • 5
ح.م

ما يجري في العراق ولبنان ليس مجرد حَراك شعبي يطالب برحيل النظام، وملاحقة الفاسدين، بل هو أقرب إلى الثورة المتدحرجة نحو العنف لإسقاط حكم الطوائف في لبنان، والمذهبية التي سُخِّرت في العراق لتفكيك الدولة الوطنية، ومواصلة تخريب العالم العربي بوسائل أخرى.

الانتفاضة الشعبية في السودان والجزائر ولبنان والعراق لها، بلا شك، قواسم مشتركة مع الانتفاضات الشعبية السابقة، الأصلي منها والموجَّه، في العالم العربي منذ 17 ديسمبر 2010، بسقف مطالب مشروعة ضد الفساد السياسي والمالي، وفشل النخب الحاكمة في إدارة الشأن العام، وتخريبها المنهجي لفرص بناء الدولة الحديثة، ونجاحها في تمديد عمر الاستبداد حتى تحت عباءة المتشابه من الديمقراطية، لكنها في الحالة اللبنانية والعراقية، تعِد بما هو أفضل من ترحيل حكم فاسد، وقد نجحت حتى الآن في تعرية ما هو أفسد من الحكم الفاسد، حين تدار الدولة بمنطق الطائفية والمذهبية، وتتعامل مع المواطنين كرعايا لزعيم الطائفة ولمرجعيات المذهب والوليِّ الفقيه.

ما هو واضحٌ للعيان في الحَراك اللبناني أنه بدأ عابرا للطوائف، لا يستثني أحدا من قيادات الكتل الطائفية المسيحية والسُّنية والشيعية، مع تشخيص سليم لأصل الداء في ذلك البناء الطائفي للحكم في اتفاق الطائف 1989، الذي أعقب الحرب الأهلية، ومنح الشرعية لتقسيم طائفي كان قد اشتغل عليه ورثة تقسيم سايكس بيكو للجغرافية العربية من حطام الخلافة العثمانية، في حين ساهم الغزو، ثم الاحتلال الأمريكي للعراق في إحياء النعرات والصراعات المذهبية بين الشيعة والسنة، الموروثة عن الحقبة الصفوية، ومنحها فرصة التأسيس للحكم بالمغالبة المذهبية منذ أول دستور كتبه المحتلّ، ووقعت عليه نخب المذهبين الوافدة على ظهر الدبابة، وانخراط دول الإقليم، من عرب وعجم، في تغذية الصراع المذهبي الذي اشتغل عليه المحتل البريطاني عقودا قبل رحيله.

ولأن لبنان، مع صغره، يحتلّ موقعا حساسا في الصراع العربي الإسرائيلي، كما في الصراع المستدام في سورية، فليس من المتوقع أن تمتنع الدول العظمى ووكلاؤها في الإقليم عن التدخُّل، ومحاولة ركوبه وتوجيهه، مع قلق الجميع من التغيير الذي قد يقلِّب موازين القوة في المنطقة، بإضعاف النفوذ الإيراني، وتهميش دور حزب الله، في حال نجاح الحراك في إسقاط الحكم الطائفي، الذي وفر معبرا لتكريس النفوذ الإيراني، ولم يُضعف النفوذ السعودي والفرنسي والأمريكي، وقد تتحالف هذه القوى ـ مع ما بينها من تناقضات ـ لتعطيل التغيير، بالبحث عن صيغ بديلة تعيد رسْكَلة النظام الطائفي الذي بُني أساسا لحماية الأقلية المسيحية، قبل أن توظفه إيران في انتزاع موطئ قدم لها، يسنده ذراع حزب الله المسلحة.

الصراع على الإمساك بزمام الأمر في الشرق الأوسط، واستباق ركبان ما يُدبَّر للإقليم ـ مع الرحيل المبرمج للولايات المتحدة وتراجع نفوذها ـ يُلقي حتما بظِلاله على الحراك في العراق، بشارعه الشيعي الذي نقل بسرعة بوصلة غضب شيعة العراق تحديدا من الحكام الوكلاء، إلى استهداف الحضور الإيراني الفجّ، بوصفه وريثا للمحتل الأمريكي، قد حمل إلى جانب فساد نخبه الوظيفية في مؤسسات الحكم، مسؤولية تخريب ونهب موارد العراق وثرواته.

وكما هو الحال في لبنان، فإن الأطراف الخارجية المؤثرة: إيران ومن يسندها في “حرب الاسترجاع” للنفوذ في الشرق الأوسط (روسيا والصين) والكيان الصهيوني والسعودية ومن يدعمها من القوى الغربية، قد تتوافق على إنقاذ نظام الحكم المذهبي في العراق، حفاظا على ديمومة ورقة الصراع المذهبي الذي شُغِّل بكفاءة لمواصلة تقسيم المقسَّم من تركة سايكس بيكو.

لا إيران ولا السعودية، ولا الولايات المتحدة وإسرائيل، يرحِّبون بإنهاء مهام الحكم الطائفي والمذهبي الوظيفي في لبنان والعراق، حتى مع حرص كل طرف على تسخير الحَراك لتحسين أوراق التفاوض في ما يُرتب لإعادة اقتسام النفوذ في الشرق الأوسط، من اليمن جنوبا وحتى سورية ولبنان شمالا، مع استشعار الجميع لبداية نهاية تاريخ ولاية المستضعفين بزعيم الطائفة والوليِّ الفقيه.

مقالات ذات صلة