الرأي

نهضةٌ إسلامية بلا عرب!

حسين لقرع
  • 3160
  • 27
ح.م

قدّم رئيسُ الوزراء الماليزي الشهير، مهاتير محمّد، مبادرة تقوم على التعاون بين ثلاث دول إسلامية وهي ماليزيا وتركيا وباكستان، لاستعادة النهضة الإسلامية بعد قرونٍ من أفولها.

اللافت للانتباه أن صاحب الفضل في نهضة ماليزيا الحديثة لم يرَ أيّ دولةٍ عربية جديرة بالمساهمة في هذا المشروع الحضاري الضخم الرامي إلى استعادة أمجاد الأمة الإسلامية التي كانت تشعّ بنهضتها العلمية الكبيرة على أوروبا انطلاقا من الأندلس ثمانية قرون كاملة، قبل أن تأفل وتدخل الأمة في عصر الظلام والتبعية للحضارة الغربية المعاصرة لظروفٍ تاريخية معروفة. وفي ذلك دلالة كبيرة على أنّ الدول العربية الحالية لا تملك أيّ مقوِّم من مقوّمات النهضة الاقتصادية والعلمية والتيكنولوجية، خلافا للدول الإسلامية الثلاث التي أخذت على عاتقها مَهمّة بعث أمجاد النهضة الإسلامية.

ماليزيا حققت تنمية اقتصادية جيدة مكّنتها من أن تصبح أحدَ نمور آسيا وإحدى أكثر الدول الإسلامية تطوّرا، وباكستان دخلت قلب الذرة وأصبحت أول بلدٍ إسلامي يملك قنبلة نووية، ولها أيضا مقوِّماتُ انطلاقة اقتصادية قوية، أما تركيا فقد خرجت من التخلّف والتبعية في ظرف 15 سنة، وانتقلت من المرتبة 116 في قائمة الاقتصادات العالمية إلى المرتبة 17 حاليا، مع طموح الرئيس أردوغان إلى إدخالها مصافّ الدول العشر الأكثر تطورا في العالم قبل حلول عام 2023، وقد وضع أردوغان خطة لإقامة صناعاتٍ تيكنولوجية دقيقة في شتى المجالات لمنافسة أكبر دول العالم، كالولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا…

كل ذلك، يؤهّل الدولَ الإسلامية الثلاث لقيادة العالم الإسلامي إلى النهضة مجددا، مع الإشارة إلى أن استبعاد أندونيسيا وإيران أمرٌ غير مفهوم للكثير من المتتبعين بالنظر إلى ما حققتاه من تقدّم في شتى الصناعات إلى حدّ الساعة. أما الدول العربية فهي لا تملك فعلا مقوّمات النهضة، ولذلك، فإن “إقصاءها” من هذه المبادرة التعاونية بين الدول الثلاث وتجاهلها، أمرٌ مفهوم، ولا نعتقد أن أحدا سيعترض عليه.

الدولُ العربية الآن، غارقةٌ في التخلّف الاقتصادي والتيكنولوجي، ولا تنتج غذاءها ودواءها، وتستورد أبسط حاجياتها من الخارج، حتى الدول النفطية منها لم تستغلّ ريوعها النفطية لإقامة اقتصادات متطوِّرة قائمة على العمل والإنتاج، ولا تزال تعاني التبعية المُزمنة للغرب.

لم تستغلّ الدول العربية نقاط قوّتها، كغناها بالمواد الأولية المختلفة، والموارد البشرية، والمساحة والموقع الاستراتيجي، والأموال… لتحقيق نهضتها والخروج من دوّامة التخلّف. وفضلا عن ذلك، فقد غرقت في الاستبداد والفساد حتى أذنيها، كما غرق بعضُها في نزاعات وحروب أهلية، وأضحى ذلك عاملا سلبيا مزمنا كابحا للتقدّم، ولا ننسى أنها دولٌ تعادي العلمَ والبحث العلمي، ويكفي فقط الاطّلاع على أرقام الميزانيات السنوية التي يرصدها الاحتلالُ الصهيوني للبحث العلمي ومقارنتها بما تخصِّصه الدولُ العربية مجتمعة، لمعرفة مكانة العلم لدى الطرفين.

ماليزيا وتركيا وباكستان تبادر إلى التعاون لاستعادة النهضة الإسلامية بلا عرب، وهذا ليس غريبا حتى من الناحية التاريخية، يكفي فقط أن نعود إلى تراثنا ونحصي علماء الأمة الإسلامية الذين ساهموا في بناء الحضارة الإسلامية المجيدة في القرون السابقة لنرى بوضوح أن أغلبهم من المسلمين غير العرب، وفي هذا دلالةٌ كبيرة على أنّ المسلمين قد ينجحون في بعث النهضة الإسلامية المنشودة من دون مشاركة العرب.

مقالات ذات صلة