نوّاب من؟
عندما قررت فرنسا الخوض في إمكانية منع ارتداء الحجاب على أراضيها في أماكن العمل والدراسة طرحت الموضوع على البرلمان وبمجرد أن منحها الضوء الأخضر طبقت القرار رغم أن الخمار يهمّ الأجنبيات بالخصوص وانتهى الأمر.. وعندما أرادت حكومة غول وأردوغان إسقاط قانون منع الحجاب على الطالبات التركيات عادت إلى البرلمان الذي ارتضى البقاء على علمانية الدولة التركية وانتهى الأمر..
وعندما أرادت إيران فرض الخمار على كل أجنبية تدخل أراضيها ورغم أن القرار من أوامر الراحل آية الله الخميني مررته أيضا على البرلمان وانتهى الأمر، وحتى الدول الأوربية التي تريد الآن مواكبة البدعة الفرنسية تعود إلى مجالسها الشعبية، وكلها قرارات برغم تناقضها كان فيها الكثير من الشفافية ومن الديموقراطية عكس ما حصل عندنا في قضية الوثائق البيومترية التي تجاوزت هذه المحطة فانفلت الأمر وتشعّب ولا أحد فهم الفعل ورد الفعل في قضية هي من المفروض أن تكون لأجل مواكبة العالم لا أن نوقف المجتمع مرة أخرى ليناقش أمرا لا يتاج لأكثر من كلمة ونقطة نهاية .
المؤسف أن كل قنوات الدولة أغلقت آذانها وصمتت عن الكلام المباح في الوقت المناسب، وهو ما جعل غسيلنا هذا ينشر للمرة الألف في قنوات أجنبية، ويتدخل الغرباء لأجل تقديم ما يشبه الأوامر للدولة وما يشبه النصائح للشعب رغم أن الأمر يمكن حسمه في دقائق معدودات، ومن دون هذا الهرج والمرج .
لا أحد يتهم الإدارة بفرضها السفور على الجزائريات، لأن كل الإداريين لهم بنات وأمهات وزوجات وأخوات محجبات، ولا أحد يقول أن المحجبات اتهمن الإدارة بالكفر والفجور، ولكن ترك الموضوع هكذا مبهم يسير ببيانات تنزل على قنوات الدولة وقد لا يقرأها أحد وقد لا يسمعها أحد وقد لا يفهم معناها أحد هو الذي بإمكانه أن يفعل من اللاحدث أحداثا خطيرة في بلد يذكر التاريخ أن فرنسا في مئويتها الأولى لاحتلالها الجزائر في الخامس من جويلية 1930 أرادت أن تقدم المرأة الجزائرية العصرية فأحضرت مجموعة من الشابات من مختلف المناطق لتقدمهن لضيوفها الكبار من كل العالم وهن بالفساتين القصيرة ولكنها تفاجأت بهن يدخلن باللباس الجزائري الشهير مثل الملاءة والحايك وليس الفساتين الأوروبية ولا حتى النقابات السعودية أو التشادورات الأفغانية .
والمؤسف أيضا أن لا أحد ناقش الاستمارة الطويلة العريضة المجبر طالب جواز السفر أو بطاقة الهوية على تسويد بياضها فيما يشبه الأشغال الشاقة، والتي تخوض في تاريخه وجغرافيته وتاريخ والديه ومراحله الدراسية والمهنية بأدق تفاصيلها، وبقيت حكاية الصورة هي الأهم في هاته القضية التي يبدو أنها جاءت لتعيد الصامتين منذ فترة لممارسة فن الكلام والانتقاد، وكأن الجزائر لا مشاكل فيها غير جوازات السفر وبطاقات التعريف رغم أن الأزمات التي جعلتنا أفقر الناس في أغنى البلدان تجلدنا في كل أنحاء الجسم، ومع ذلك لا أحد يجتهد لأجل إيجاد الحلول أو المناظرة فيها كأضعف الإيمان من سلطة بيومترية لا أحد يفهم شكل بصماتها وشعب أرادوه غير بيومتري، بصماته التلقائية مفضوحة في كل مكان .
وفي هذا المحيط الشاسع من الحبر ومن اللعاب يختفي زورق البرلمان الذي هو دائما آخر من يعلم، وإذا علم لا يفهم، وإذا فهم لا يتحرك، رغم أنه كان قادرا على أن يحتوي الحكاية في جلسة واحدة كما يحدث في كل بلدان العالم، لأن أعضاءه يلقّبون بنواب الشعب وليس بنواب وفقط.