هدية ثمينة من إيران للعرب
استقبلت دولٌ عربية عديدة الاتفاق الإطاري الذي وقعته إيران والمجتمع الدولي مؤخراً بالكثير من الإحباط والتوجّس والقلق، مع أنه قد يكون فاتحة عهد جديد لها مع التيكنولوجيا النووية.
بدل التهويل والمبالغة والنظر إلى البرنامج الإيراني على أنه “يهدد أمنهم القومي“، لماذا لا ينظر العرب إلى هذا الاتفاق على أنه “هدية” إيرانية غير مباشرة لهم؟ فما دام الغرب قد وافق أخيراً على برنامج إيران النووي بعد 13 عاماً من الحصار والتهديد بتدميره، فلماذا لا يقبل ببرامج عربية مماثلة؟
ينبغي للعرب أن يكفّوا عن البكاء والعويل بعد نجاح إيران في إجبار العالم على الاعتراف بحقها في امتلاك تيكنولوجيا نووية، وأن يستغلوا هذا الاتفاق للشروع بدورهم في إقامة برامجهم النووية الخاصة، سواء بضوءٍ أخضر من الغرب أم دونه كما فعلت إيران منذ 13 سنة، ويجب أن يستفيدوا من تجربتها ويقوموا بفرض الأمر الواقع على الغرب إذا كال بمكيالين ورفض دخولهم المجال النووي، وألا يرضوا بأقل مما أقامته إيران من مفاعلاتٍ وماء ثقيل وأجهزة طرد مركزي..
مشكلة العرب أن الخوف من أمريكا قد شلّهم، فأحجموا عن السعي إلى امتلاك هذه التيكنولوجيا دون باقي الأمم الطموحة خوفاً من استثارة غضبها، وحتى القذافي تحدّاها بعض الوقت وأقام برنامجا نوويا واعدا بمساعدة باكستان، ولكنه سرعان ما استسلم وفكّكه بنفسه وسلمه لأمريكا فور شنق صدام حسين في 30 ديسمبر 2006، ليتفادى مصيره، فكانت النتيجة أنْ سكتت عنه أمريكا حيناً من الدهر، ثم شاركت الناتو والمعارضة في الإطاحة به وقتله.
لقد دخلت الهند ثم باكستان النادي النووي، ثم سارت إيران على دربهما وأصرّت على حقها في امتلاك التيكنولوجيا النووية دون اكتراث باعتراض الغرب وحصاره الاقتصادي الخانق وتهديداته بضربها، وصمدت إلى أن انتزعت اعتراف الغرب بها، في حين بقي العرب يتذللون ويتوسّلون عبثاً انضمام الكيان الصهيوني إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، فبقوا في ذيل ترتيب الأمم يتجرّعون الحسرات والمرارة ويندبون الاتفاق الإيراني الدولي.
ويدور حديثٌ الآن لدى مسؤولين صهاينة عن إمكانية قصف المنشآت النووية الإيرانية بالتعاون مع دول عربية ستفتح أجواءها لطيرانهم وتنصِّب منصّات باتريوت لاعتراض الصواريخ الإيرانية قبل وصولها إلى الكيان الصهيوني، ونأمل صادقين ألا يتورط أحدٌ في هذه الخيانة التي ستبقى وصمة عار في جبينه إلى الأبد.
لا نريد موالاة عدوّ يغتصب أرضنا ومقدّساتنا ويمعن في قتل أهلنا ويملك 300 صاروخ نووي يهدّد به 300 مدينة عربية وإسلامية آهِلة بالسكان، من جاكرتا إلى الرباط، ودون تفريق بين مذاهبهم، وسيكون من العار والخيانة أن نستعين بهذا الكيان اللقيط لتدمير برنامج نووي لبلدٍ يبقى مسلماً وإن اختلف عنا في المذهب.. بل نريد إقامة برامجنا النووية الخاصة بنا، من المحيط إلى الخليج، لننافس كل الأمم الحية التي سبقتنا إلى هذا المجال، وإذا عجزنا عن ذلك واستسلمنا لضغط أمريكا والغرب، فلا نلوم إلا أنفسنا، وليس منطقياً ولا أخلاقياً أن يشلنا الخوف ونحجم عن إنتاج برامجنا الخاصة ثم نتآمر مع العدوّ لتدمير برامج الآخرين.