-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هذا المتغير الذي نحتاجه على كافة الجبهات

هذا المتغير الذي نحتاجه على كافة الجبهات

يَمُرُّ العالم اليوم بمرحلة انتقالية نحو أوضاع مختلفة عما سبقها، لا شك في ذلك.. فقط هي المجتمعات والدول التي تعرف كيف تتعامل مع المتغيرات الرئيسة التي تصنع الانتقال الآن هي التي ستكون لها مكانة فيه.

وعلى خلاف ما يبدو، ليست المتغيرات الاقتصادية ولا السياسية ولا الجيواستراتيجة التي تُحسَب بالعشرات هي التي ستحسم الأمر، إنما هو متغير واحد رئيس سيتحكم فيها جميعا هو المتغير التكنولوجي؛ بقدر الإسهام في التحكم فيه وفي مكوناته، نستطيع تطوير باقي المجالات إن كانت صناعية أو فلاحية أو خدماتية.. وبلادنا تملك طريقتين للوصول إلى ذلك: لديها المؤهّل البشري الكفء في الداخل وفي الخارج، ولديها المواد الأولية التي أصبحت ضرورية لتطوير كل أنواع التكنولوجيات المتطورة. عليها اعتمادهما معا لتعزيز انطلاقتها، إن كان ذلك في رسم السياسات العامة المحلية أو تطوير أداء السياسة الخارجية. غير هذا سيكون سعيا لزيادة تكديس مخرجات التكنولوجيات عن طريق شرائها من الغير في أي مجال من المجالات.. والتكديس لا يصنع تقدُّما ولا حضارة كما يقول “مالك بن نبي” رحمه الله، إنما يوهم بالقوة فحسب.
إذن علينا الإسراع في عملية التوطين التكنولوجي بكافة الوسائل، بداية بالشروع في استغلال الموارد الخامّ التي تزخر بها بلادنا وتدخل في صناعة الرقائق الالكترونية الأكثر تقدُّما، ثم بتشجيع المستثمرين على اعتماد سياسات تصنيع أو انتاج فلاحي أو تقديم خدمات قائمة على استقطاب العنصر البشري المؤهَّل لذلك أو الشروع في تكوينه في أقرب الآجال. لا يمكن للانطلاقة الصناعية أو الفلاحية أو الخدماتية أن تحدث حقيقة وتكون بصفة مستدامة، من دون اعتماد هذه المنهجية.
ستبقى الجهودُ مُبَعثَرة وغير منسجمة وغير مستقرة، مادامت لا تركِّز على التأثر في متغيّر رئيس فعّال وذي تأثير قوي على باقي المتغيرات أي التحكم في التكنولوجيا والاستقلال بأمرنا فيها تدريجيا ضمن مدى زمني قريب ومتوسط. عندها سيُعاد النظر في مختلف سياساتنا الداخلية والخارجية. وعندما يُصبح هذا الأمر مطلبا أوليا في الجامعة وفي مختلف الوزارات والهيئات، سنشرع في احتلال مكانة لنا في هذا العالم الذي يتشكل من حولنا بوتيرة متسارعة ولن يرحم تخلفنا أو يراعي صدق مشاعرنا أو خطابَنا التقليدي غير المكترِث بما حوله.
في كل بيت من بيوتنا وفي كل ركن من جامعاتنا وفي كل مؤسسة تكوينية يوجد من يستطيع الانسجام مع هذا المشروع إذا ما أصبح أولوية.
أكثرُ العبقريات ستظهر وتُقدّم ما عندها، والكفاءات الوطنية المهاجرة في الخارج ستساهم بدور فعال في نقلنا إلى المرحلة التكنولوجية القادمة. وبالنظر إلى بقاء مجتمعنا متوازنا في حدود معقولة في تماسكه الاجتماعي والقيمي والثقافي، ومازالت حاله غير مضطربة في هذا الجانب كما في المجتمعات الغربية الأكثر تطورا، فإننا نستطيع أن نشكل ذلك النموذج المتوازن الذي يُعَدُّ حُلمَ جميع الشعوب.. إنها فرصتنا في هذه المرحلة الانتقالية، يمكننا أن نحصل عما نريد من الشرق إذا رفض الغرب والعكس صحيح، إننا في الوسط وفي بداية الطريق، ونستطيع أن نفعلها بدون شك. فقط علينا ألا نتيه بين عشرات بل مئات المتغيرات الأخرى التي نعتقدها رئيسة، وما هي كذلك.. إن أكبر خطأ نقع فيه هو هذا.. أن ننظر الى كافة المتغيرات بمستوى واحد ولا نفرِّق بين عالي التأثير بينها ومنخفض التأثير وعديمه في الوقت الراهن ومستقبلا… أن نبقى نتحرك في نطاق سياسة قائمة على النظرة الأفُقية للأشياء التي تعتقد أنه بإمكانها التعامل مع كافة المتغيرات بنفس القيمة وبنفس الأهمية.. أن نبقى نقول: كل المتغيرات مهمة، كل القطاعات مهمة، كل السياسات مهمة.. الأمر في الواقع ليس كذلك، إذا كنا نريد فعلا أن نتحرك قُدُما ومن غير أي تأخير، وأن تكون لحركتنا نتائج في أقرب الآجال.. هذا هو الطريق، فلا تضيع منا البوصلة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!