-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هذا حرّ الدّنيا.. فماذا أعددنا لحرّ يوم القيامة؟

سلطان بركاني
  • 4787
  • 0
هذا حرّ الدّنيا.. فماذا أعددنا لحرّ يوم القيامة؟

عايشنا في الأيام الماضية أياما حملت معها موعظة بليغة لكلّ من كان له قلب أو ألقى السّمع وهو شهيد.. اشتدّ الحرّ وتجاوزت درجات الحرارة عتبة الأربعينات.. ضاقت الصّدور وتأوّهت النّفوس وارتفعت الآهات.. شلّت الحركة في كثير من المدن.. وفاضت أرواح عديد الأطفال والمرضى والمسنّين.. اندلعت الحرائق في كثير من الغابات، وتسبّبت في أزمات حادّة في المناطق المجاورة لها.. اختناقات ووفيات عدّت بالعشرات.

حدث كلّ هذا في أيام كانت الشّمس في أبعد نقطة لها عن الأرض.. حدث كلّ هذا والشّمس كانت تبعد عن الأرض بأكثر من 152 مليون كلم.. فلا إله إلا الله، كيف ستكون حالنا يوم تدنو هذه الشّمس التي يقدّر العلماء درجة حرارة سطحها بنحو 5500 درجة مئوية، كيف ستكون حالنا يوم تدنو هذه الشّمس من الرّؤوس؟ كيف ستكون حالنا يوم تدنو فتكون على بعد ميل واحد أي ما يعادل 1600 متر فقط من رؤوسنا في يوم مقداره 50 ألف سنة من سنيننا هذه؟.. يومئذ تتشقّق الحناجر ويسيل العرق أنهارا، فمن النّاس من يكون العرق إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يكون إلى إبطيه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما.. أخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم قَالَ: “يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الْأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ”.. في تلك اللّحظات وتلك السّاعات يكون عباد الله المتّقون في ظلّ الرّحمن يوم لا ظلّ إلا ظلّه.. ومن هؤلاء المتّقين، شابّ نشأ في عبادة الله، شابّ ليست له صبوة إلى معصية الله، همّه رضا الله، ورجلٌ قلبه معلّق بالمساجد، راحته وأنسه وسعادته حين يكون في بيت من بيوت الله، ((فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ وَالآَصَالِ*رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبْصَار)).. ورجل ذكر الله خاليا بينه وبين نفسه ففاضت عيناه، بكى من خشية الله، خوفا من عقاب الله، بكى شوقا إلى جنّة رضوان خازنها والجار أحمد والرّحمن بانيها.. ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، تصدّق بصدقة طلب بها رضا الله وأراد بها وجهه جلّ في علاه.. ورجل دعي إلى الفاحشة، دعي إلى معصية الله، دعي لينظر إلى الحرام، ليفعل الحرام فقال: إنّي أخاف الله.. ورجلان تحابا في الله، وليس لأجل عرض زائل من أعراض الدنيا، تحابا في الله فاجتمعا عليه وافترقا عليه.. وحاكم عادل لا يحابي قريبا ولا حميما.

فماذا أعددنا لهذا اليوم؟ نحن نفرّ من حرّ الدّنيا إلى الظّلال وإلى المكيّفات، لكن ماذا أعددنا لحرّ يوم القيامة؟ أيّ عمل صالح ادّخرناه لذلك اليوم؟ أيّ صنف من هذه الأصناف السّبعة من عباد الله الذين يأمنون فزع يوم القيامة نطمع في أن نكون في ركبه؟.

إنّ ذكر الآخرة يوم القيامة هو الدّواء لغفلتنا وقسوة قلوبنا.. هو الحلّ لكثير من مشكلاتنا.. إنّه ما أكل كثير منّا الحرام وشربوا الحرام ولبسوا الحرام إلا لمّا نسوا الموت والقيامة والجنّة والنّار.. إنّه ما نام الكثير منّا عن الصّلاة إلا لمّا نسوا يوم العرض بين يدي ربّ الأرض والسّماوات.. يوم نسوا أنّ أوّلَ ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة بين يدي الله الصّلاة.. يوم نسوا أنّ الله جلّ وعلا يقول: ((فَوَيْلٌ لْلْمُصَلّين*الذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُون)).. إنّه ما تهاونت كثير من أخواتنا المسلمات في الحجاب ولبسن الضيّق من الثياب إلا لمّا نسين الموت وسكرته والقبر وظلمته ويوم القيامة وشدّته والميزان ودقّته والصّراط وحدّته.. إنّه ما تحوّلت كثير من أعراسنا إلى مواسم للمجاهرة بمعصية الله واستنزال سخط الله إلا لمّا غفلنا عن الموت والقيامة والجنّة والنّار.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!