هذه هي الحقيقة
يُجمع من يزعمون بأنهم معارضة من الحرس القديم والحديث، على خطاب واحد يظنون بأنهم يُحرجون به السلطة، ويكشفونها للمواطنين، عندما يطالبونها بقول الحقيقة للشعب، والابتعاد عن الخطاب الشعبوي الذي يُخفي حقيقة الوضع البائس لاقتصادنا، والذي سيكون أكثر بؤسا في المستقبل القريب، وتكمن غرابة “تعنترهم” في كون الحقيقة، التي كان من المفروض أن يبذلوا لأجل قولها للمواطنين، هي حقيقة الارتفاع القياسي لأسعار النفط، التي طرقت المائتي دولار للبرميل الواحد، والأموال الطائلة التي جنتها الجزائر منذ ثلاث سنوات، ولا نكاد نعرف مصيرها، اللهم في بعض المشاريع المسماة بالضخمة والقرنية، والتي أثبتت الأيام بأن غالبيتها فاشلة، وهي الحقيقة التي كان من المفروض أن يعلمها المواطنون ويتابع حيثياتها هؤلاء الذين كسروا رؤوسنا بمعارضتهم المزعومة وهم في فلك السلطة يسبحون، أما الحقيقة التي يريدون من السلطة قولها، فكلنا نعرفها، ولكن على طريقة معرفة المصاب بمرض خبيث، حقيقة أورامه في المرحلة الأخيرة من المرض.
الحقيقة التي يجب أن يعرفها المواطن، ليس سعر النفط الذي نزل تحت الخمسين دولارا، وهو الذي لم يحقق آماله عندما بلغ المائتي دولار، ولا تحوّل بلاده للاستدانة بعد أشهر قليلة، لأنه عاش وضعا مشابها منذ ثلاثين سنة، وإنما غياب الحلول الجادة، خاصة في شطرها السياسي، حيث مازالت السلطة مصرّة على أن ما تحقق من إنجازات في زمن المائتي دولار، إنما كان بعبقريتها، وما سيتزلزل في زمن الخمسين دولارا إنما قضاء وقدر، ومازالت المعارضة تكتفي بعدّ السيئات، ولا تستطيع تقديم البديل الذي يجعلنا نحس أننا أمام معارضة بيضاء اليد لم تتورط في الوضع البائس الذي بلغناه، وسديدة اليد بإمكانها أن تصلح ما أفسده دهر من الضياع، وفي علم الطب يُجبر عادة الطبيب على أن يكشف لمريضه حالته إذا كانت في مراحلها الأولى حتى يباشر المريض علاج نفسه، قبل فوات الأوان، وانتشار الأورام في البدن، وهو ما لم يحصل في الألم الجزائري أمام صمت المعارضة، ويخيّر بين الكشف أو التكتّم إذا بلغ المرض مراحله الأخيرة، حيث يصبح البوح والتكتّم سيان.
الحقيقة التي يعرفها الجميع قبل السلطة والمعارضة، هي أن الجزائريين لا ينتجون شيئا، فالقلم الذي يكتب به الصحافي مستورد من الخارج، والورق الذي تطبع به الصحيفة مستورد من الخارج، وفطور الصباح وسحورنا مستورد من الخارج، والإسمنت والحديد الذي تبنى به مساكننا مستورد من الخارج، وعلف ودواء دواجننا وماشيتنا التي نزعم بأننا ننتجها مستوردة من الخارج، ودواؤنا ونسيجنا مستوردان من الخارج، ومكبرات الصوت التي نسمع بها الآذان والزرابي التي نصلي عليها مستوردة من الخارج، والطائرات التي تنقلنا لأداء فريضة الحج، و”الفوطات” التي نحرم بها مستوردة من الخارج، وحتى السيارات التي تقل المعارضة والميكروفونات التي ينتقدون بها السلطة والبدلات الأنيقة التي يرتدونها مستوردة من الخارج.. والحقيقة أن المال الذي كنا نستورد به “حياتنا” انقرض.. وقد لا يعود أبدا.