هزيمة أمريكا في الجزائر
تعود إلى الواجهة السياسية في العلاقات الخارجية الجزائرية، إلى واجهة منتصف الثمانينات، عندما واجهت السلطة الجديدة وقتئذ، مشكلا بمشكل! مشكل ضياع الخيار الاشتراكي وأزمة “الثورة الزراعية” مع رحيل الراحل هواري بومدين، وقدوم رأس جديد بتدبير جديد لإخراج الجزائر من الركود.. فكان الاعتماد على التعاون الأمريكي الجزائري في المجال الفلاحي من أجل استصلاح سهل “العبادلة” ببشار! وكان الحدث: الطماطم في أدرار وبشار في أبهى إنتاجها، رغم أن الأمريكيين لم يفعلوا سوى وضع نظام للري وليس استثمارا بمعناه الكبير. وكانت النتيجة أن تركت القنوات ومجاري المياه مجمعاتها تحشو بالرمال، ويفشل المشروع بشكل مريع وتذهب الأموال والجهود هدرا كما “يصب الماء في الرمل”! لتصبح النكتة المعروفة في بشار: هزم الأمريكان مرتان: الأولى في فيتنام، والثانية في بشار!
واليوم، نخشى من التجربة الثانية التي ستقبل عليها الجزائر في تعاونها الاستثماري مع أمريكا في المجال الزراعي واستصلاح الصحراء، خاصة وأن ما جاء في تصريحات المسؤولين عندنا بأنهم يريدون أن يستنسخوا تجربة أمريكا في كاليفورنيا!
وجدت نفسي أنا هو رئيس مشروع التعاون الأمريكي الجزائري من أجل تحويل الصحراء الجزائرية إلى واحة خضراء لكي..! فقد صارت صحراؤنا وصحارى العرب مرتعا، لا للجمال ولا للنوق، بل للحفارات وناقلات النفط وخطوط الإمداد الأفعوانية. قلت لهم: نريد أن نتبادل التجارب. نريد بالمقابل أن تعطونا نجرب في كاليفورنيا تجربتنا الشخصية، مقابل أن نترككم تقومون بتجاربكم الزراعية في صحارينا وهذا لمدة 99 سنة قابلة للتمديد والتجديد. قالوا لي: موافقون، لكن، تجاربكم أنتم لا نعرفها، ونتفق فقط على عقد مدته عشر سنوات، لنرى ما تقدمونه لنا، نفس الشيء بالنسبة لكم. فإذا ظهرت نتائج حسنة من طرفكم، وظهرت لكم نتائج مفيدة من طرفنا، نستمر في ترقية التعاون وتمديد العقود.
تفاهمنا على هذا الأساس، وقلت لهم في بند موقع: لا نريد أن يتدخل أحد في شؤوننا عندكم! نحن دولة مستقلة وشعب مستقل ولا نحب أن يتدخل الأمريكان في سيادتنا. نحن نريد أن نعمل “كما رشقتنا”.. العامل الجزائر له خصوصية خاصة، والجزائريون يعملون بطريقة خاصة (لم أرد أن أقول لهم: ننام أكثر مما نعمل، وفي رمضان لا نعمل، وفي الأعياد أيضا وفي الويك آند والعطل الكثيرة. وإذا عملنا، نعمل على “خاطرنا” لا أحد يقلقنا أو يزعجنا!) وافقوا، وبدأ العمل.
بعد عشر سنوات كانت صحراء أدرار تتحول إلى كاليفورنيا، وكانت جنة كاليفورنيا تتحول إلى صحراء. أرشم!
وأفيق من غفوة لعب “الكارطا” في قاعة الأكل: أرشم.. عندي اللاّز.. ناكل القاعة! ولم أكن أعلم أن هزة “زلزال” قد هزت قاعة الأكل قبل قليل.. وهرب من هرب!