منوعات
في أحدث كتاب لرئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية

هكذا أثرت العربية في الفارسية لغة وإبداعا نثريّا وشعريّا

ق.ث
  • 372
  • 0
ح.م

صدر حديثا كتاب “المكوِّن العربي في الثقافة الإيرانية – مقاربة تحليلية”، لمؤلفه مؤسِّس ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية “رصانة”، الدكتور محمد بن صقر السلمي، عن دار أدب للنشر والتوزيع بالمملكة العربية السعودية.

وقال المؤلف في مقدمة عمله الجديد إن التأثير الأكبر الذي حظيت به الفارسية من العربية حدث بعد الإسلام، ولكنها لم تندثر بل أصبحت أكثر نضجًا وسلاسة، موضحا أنه بعد الفتوح الإسلامية ولمدة قرن ونصف من الزمن لم يظهر أي أثر لِلُغة قومية للفُرس.

وهناك رأي أنّ الفارسية الحديثة نشأت بعد الفتح الإسلامي وبقيت على صورتها الأصلية إلى يومنا هذا، وأنه يمكن حصر تطوّرها الشكلي في صيغ قديمة لم تدُم طويلًا، أو هُجِرَت، غير أن تغييرًا أكثر من ذلك لحق بمتن اللغة، فلم تُلَبِّ الألفاظ الفارسية القديمة حاجة الحياة الجديدة؛ لأن عباراتها التي عبّرت عن معانٍ سياسية ودينية فارسية محضة عجزت عن مجاراة العربية في قدرتها على الاشتقاق، والتعبير الذي يُعَدّ أكثر دقةً وأوضح من تعبيرها، ولذلك تسربت إلى الفارسية ألفاظ عربية، وكان تسربها بطيئًا متواصلًا، وزاد تأثر الفارسية بالعربية في نهاية عصر المغول، وبقي إلى ما بعد عصر الصفويين، مثلما يؤكده الباحث بن صقر السلمي.

ولم تظهر إشكالية العلاقة بين الفارسية والعربية، لا باعتبار العربية لغة دين ولا باعتبارها مكونًا سوسيولسانيًّا في اللغة الفارسية المستقرة، إلا بعد ظهور التجاذبات السياسية والفكرية والمذهبية الداخلية في إيران الحديثة.

وأشار الكاتب إلى أن هذه التقلبات أنتجت أفكارًا، منها القومي الذي يحاول القول بوجود لغة فارسية نقية من العربية يمكن أن تعزز الإطار القومي، ومنها تغريبي حداثي يرى أن العربية تمثل حالة من الجمود على القديم، فيمكن استبدال الكتابة باللاتينية، وإدخال ألفاظ هندو-أوروبية يرونها أقرب إلى الفارسية، وعليه يُستعان بمفردات من لغات غربية قائمة لتحل محل اللفظ العربي. ومنها ما هو إسلامي طائفي، يقف حائرًا بين ضرورة تصدير الثورة بلغة النفوذ وهي الفارسية، وتصديرها بلغة المرتكز الديني وهي العربية، ولا يرى قطاع كبير منهم في العربية إلا أنها لغة القرآن ولكنها ليست لغة التعاطي والتداول اليومي.

وبين هؤلاء وهؤلاء معتدلون ومتطرفون، يقول المؤلف، يشترك جميعهم في ضرورة الإجابة عن الأسئلة التاريخية السوسيولسانية حول جدوائية عمليات الإحلال والإبدال في اللغة المستقرة، فضلًا عن مدى سلامة مسوغات هذا التغيير، ثم على افتراض إمكانية ذلك، ماذا عن آثار هذه النقلة في الاتصال بالتراث الممتد على مدى ألف عام، هي المنجز المتصل المنتمي إلى هُوية وثقافة ودين الدولة والشعب في إيران الحاضر؟ وما حقيقة الوعي المتمركز خلف عملية تغيير على مستوى قوام وأجزاء لغة جامعة، في الوقت الذي تسعى الأمم الحية فيه إلى حسم الجدل حول الهُوية الوطنية ومن كبرى تجلياتها اللغة؟

ومن جهة أخرى، فإنّ هذا الحراك لا يخرج عن نطاق دراسة الكتاب من حيث كونه استمرارًا للتأثير الحضاري للغة العربية في المكون الفارسي، وليس أدلّ عليه من طفو الحديث عنها سلبًا وإيجابًا في جميع منعطفات التغيير وساحات الجدل السياسي والاجتماعي والثقافي في إيران.

ولاستيعاب طبيعة هذا الجدل وأبعاده الخارجية والداخلية في إيران، وتبيُّن مدى منطقية الدعوة إلى الفرسنة، وغايات المجامع القائمة عليه، وردود أفعال الطبقات المثقفة والنخب الفكرية والاتجاهات المختلفة، فقد عمد المؤلف إلى استقصاء تاريخيّ على محاور ذات صلة، فمنها التاريخي، ومنها اللغوي، ومنها الواقعي، مستصحبا ما تقدمه الدراسات اللسانية في هذا المجال، مع رصد لحجم الدور اللغوي للعربية في اللغة الفارسية وما أنتجه ذلك من تغييرات وأدوار للفُرس ضمن إطار لغتهم الحية النابضة بالمفردات والتراكيب العربية.

كما حلّل الباحث المختص أهمّ الأفكار المطروحة حول هذه القضية، وهل ثمة قضية واقعية موضوعية تؤسس لكل هذا الجدل؟ كما شمل بحثه النظر في تأثير العربية في الفارسية على مستوى لغوي فوق لفظي، وهو ما يتعلق بحقول الإبداع الفني نثرًا وشعرًا، أي في ما هو فوق المعجمي اللفظي المباشر الدلالة إلى مستويات إدراكية وشعورية عُليا، للتمكن من تكوين فكرة سليمة حول عمق هذا الدور ومدى جدية وإمكانية محاولات نسفه أو تهميشه لصالح اتجاهات إقصائية، وحول الآثار المتوقعة في مستقبل الفارسية نفسها عند تعريتها وتفريغها من العربية ومحاولة ملئها ببديل، وما تخبر به النظريات السوسيولسانية ومبادئ علم اللغات والكلام بهذا الصدد.

وفي جميع هذه النقاط البحثية حاول المؤلف الماهر تقديم رؤية سوسيولسانية شاملة للدور اللغوي الذي لعبَته وتلعَبه العربية في المكون الإيراني، تاريخًا ولغةً وحياةً اجتماعية ومحاولات تنفّذية جيوسياسية.

مقالات ذات صلة