الجزائر
أعطوا دروسا في التضحية رغم الصعوبات والجوع والعطش

هكذا جمع المجاهدون بين واجب الكفاح ومشقة الصيام خلال الثورة

صالح سعودي
  • 5971
  • 10
ح.م

تحتفظ الثورة التحريرية بجوانب مشرقة في التضحية والشجاعة في سبيل الوطن، بدليل أن مسيرة الجهاد بنفس الوتيرة حتى في رمضان ومظاهر الفقر والحرمان، بدليل المعارك الكبيرة والكثيرة التي خلدها المجاهدون في شهر الصيام، ولو أن قيادة الثورة لم تتوان في مراعاة الوضعية الصحية للمجاهدين، حيث أباحت لهم عدم الصيام، بناء على فتوى صادرة من مشايخ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
أجمع عديد المجاهدين والباحثين الذين تحدثت معهم “الشروق” بأن شهر رمضان لم يكن عائقا للمجاهدين في سبيل مواصلة مسيرة الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي، بدليل البطولات والتضحيات المخلدة في هذا الشهر الكريم، في الوقت الذي عمدت قيادات الثورة على تسهيل المهمة بالتنسيق مع جمعية العلماء المسلمين التي أباحت عدم صيام المجاهدين خلال فترة الثورة التحريرية، ورغم هذه الفتوى، إلا أن بعض المجاهدين وحتى قيادات الثورة كانوا يصومون خفية، ويكتفون في النهاية بالماء والكسرة وربما الحشيش، وقد تم اللجوء إلى طلب فتوى جمعية العلماء المسلمين تبيح لهم عدم الصوم في رمضان بسبب الفقر والحرمان وقسوة الظروف في الجبال، موازاة مع اشتداد الثورة التحريرية، ما جعل الكثير من المجاهدين يراعون هذه المستجدات، قبل أن يقوموا بتدارك ذلك بعد نيل الجزائر للاستقلال. حدث ذلك بعد 7 سنوات كاملة وهم يواجهون المستدمر الفرنسي بشجاعة وتضحية، ببطون جائعة وأفواه عطشى تجسيدا لمبدأ الاستقلال أو الاستشهاد.

أولحاج دعا إلى عدم الصوم لاتقاء العدو

يؤكد الأستاذ صالح لغرور، بأن قيادة الثورة التحريرية راعت الوضعية الصعبة للمجاهدين، خاصة في ظل متاعب التنقل بين الجبال، والمعارك الطاحنة التي عرفتها جبال الأوراس ومختلف مناطق الوطن، وقال بأن فتوى جمعية العلماء المسلمين قد أزالت الكثير من الغموض والإبهام، وسهلت مهمة قيادة الثورة التحريرية في إصدار قرار يبيح للمجاهدين بعدم الصيام، حرصا على صحتهم وقوة تركيزهم، وقال صالح لغرور لـ”الشروق” بأن هناك وثائق صادرة من قيادة الثورة تصب في هذا الاتجاه، من ذلك مجموعة رسائل نشرها المؤرخ محمد حربي مع المؤرخ الفرنسي جيلبان ميني، من ذلك رسالة صادرة في 20 ديسمبر 1961 عن الولاية الثالثة، ممضية باسم محند أولحاج، يقول فيها بأن الصوم غير إجباري حتى لا يكون المجاهدون فريسة سهلة للعدو، كما نشرت جريدة المقاومة في العامين 1956 و1957 مواضيع تدعو إلى العمل برخص الدين الحنيف، داعية إلى تفادي الإسراف وأعمال البذخ التي لا تمت حسبه بصلة للإسلام.

شيحاني كان يكتب “مرحبا يا رمضان”

وفي السياق ذاته، يشير الأستاذ صالح لغرور بأن قائد الثورة في منطقة الأوراس الشهيد شيحاني بشير أكد في اجتماع حضره أكثر من 250 مدني قبل معركة الجرف، على ضرورة التمسك بالمبادئ والقيم العليا للإسلام ضد أعدائه المجرمين، مشيرا إلى مبادئ التسامح في هذا الشهر الفضيل، وفي الوقت نفسه فقد كانت منشورات شيحاني بشير حسب صالح لغرور تبدأ بجملة “مرحبا بك يا رمضان”، وهذا بالعربية والفرنسية. كما تشير فقرة نشرت في جريدة المقاومة الجزائرية يوم 8 أفريل 1957 تشير إلى تثمين شهر رمضان الكريم ومبادئ الإسلام، وتندد بالجرائم التي قام بها الجنرال الفرنسي باري دوبولارديار وآخرون، كما نشرت رسالة فحواها “نتمنى أن يكون شهر رمضان الكريم مناسبة لمساندة نضال الجزائريين”. كما يؤكد صالح لغرور بأن هناك وثيقة أصلية صادرة عن جيش التحرير المغاربي تؤكد بأن هناك حرية في الصوم، وهذا بناء على شهادات أدلى بها عديد المجاهدين من الولاية الأولى التاريخية، على غرار مراد عبد الكريم وعمار قرام والوردي قتال.

بن عودة: الشيخ الإبراهيمي أفتى بالإفطار

أكد العقيد الراحل عمار بن عودة في تصريح سابق لـ”الشروق” بأن شهر رمضان كان مقدسا بالنسبة للمجاهدين، ما جعلهم يحرصون على الصوم بقدر حرصهم على محاربة المستعمر، مضيفا بأن الصيام كان مصدر القوة والتحلي بالصبر وطول النفس، مشيرا بأن قيادة الثورة أخذت بعين الاعتبار الفتوى التي تلقتها من الشيخ محمد البشير الإبراهيمي خلال تواجده بالقاهرة، يقول فيها “بصفتكم مجاهدين فيمكن لكم أن تفطروا، قياسا بالظروف الصعبة التي تواجهونها”. وقال الراحل عمار بن عودة في شهادته لـ”الشروق”: “كنا نصوم بصورة عادية وطبيعية، ورغم أن الفتوى رفعت عنا الحرج، لكن كنا نفضل القيام بواجباتنا، ومحاربة فرنسا، أما الصوم فقد كان في الظاهر إجباريا، لكن هناك من المجاهدين من يفضل الصوم”. وأكد عمار بن عودة بأنه كان بين المجاهدين من يحفظ القرآن، ومنهم مداحون ومنشدون، حيث كان هؤلاء يتحفوننا بعد الإفطار بتجويد آيات من الذكر الحكيم أو أناشيد ومدائح، كل هذا يحدث بعد الانتهاء من صلاة الجماعة، مضيفا بأنه صام في كل مكان، فعلاوة على عنابة وعديد مناطق الوطن، فقد صام في تونس وليبيا ومصر وسوريا، وقال في هذا الجانب: “كنت أقوم بمهامي بصورة عادية، خاصة ما يتعلق بعملية جمع الأسلحة، حيث يكون السلاح أكون”.
كما استعاد الراحل عمار بن عودة ذكريات هروبه إلى منطقة الأوراس قبل اندلاع الثورة، بعد اكتشاف المنظمة السرية من قبل الاستعمار الفرنسي مطلع الخمسينيات، حيث قال في هذا الجانب: “كنا نتجه في شهر رمضان إلى منطقة كيمل و”القابل”، حيث نتجمع سويا نحن أعضاء المنظمة السرية، على غرار زيغود يوسف وبن طوبال وحباشي وبيطاط، كما كنا نلتقي جماعة “الخارجون عن القانون الفرنسي” مثل حسين برحايل والصادق شبشوب ومسعود بن زلماط وغيرهم، وقد قضينا شهر رمضان استثنائيا في أعماق جبال الأوراس. حضرنا بشكل جيد لشهر رمضان من ناحية المؤونة واختيار المواقع الحصينة ومواقع تواجد المنابع المائية، من بين ما أذكر أنني كنت أحضر الشوربة، بينما زيغود يوسف رحمه الله كان يحضّر لنا الكسرة في أجواء أخوية حميمية”.

المجاهدون التزموا بالقضاء والفدية بعد الاستقلال

تؤكد شهادة قائد المنطقة الأولى بالأوراس محمد الشريف عايسي بأن قيادة الثورة ألزمت المجاهدين بالإفطار بعد استفتاء مشايخ جمعية العلماء الجزائريين، وفي الوقت الذي واظب المجاهدون على الصيام خلال السنوات الأولى من الثورة، إلا أن فيما بعد صدرت فتوى من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تبيح عدم الصيام، وهو الأمر الذي رفع عنهم الحرج حسب قوله، ما جعل قيادات الثورة تصدر تعليمة معززة بفتوى لعدد من العلماء الجزائريين، بغية تفادي كل أشكال التحفظ والشك، وهي الخطوة التي زكاها حسب محمد الشريف عايسي أئمة منطقة الأوراس وعلماؤها وقضاة الثورة الذين كان جلهم من تلاميذ جمعية العلماء المسلمين، كما اقتنع المجاهدون أنفسهم بأنهم يعتبرون مسافرين بحكم تنقلهم الدائم من منطقة لأخرى في ظروف طبيعية ومناخية شاقة، مؤكدا بأنه بعد الاستقلال حرص الجميع على قضاء الأيام التي أفطر فيها مع دفع الفدية، وفق ما تقره الشريعة الإسلامية.

مقالات ذات صلة