الجزائر
"الشروق" تقضي 20 ساعة على متن الباخرة اليونانية "أليروس"

هكذا ينقل مغتربون و”بزناسية” الأطنان من “الخردة” إلى الجزائر

رضا ملاح
  • 7963
  • 19
ح.م

بالضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، وبالتحديد الجنوب الفرنسي مدينة “مرسيليا” الساحلية أين تستقر أكبر جالية جزائرية بالمهجر، وقفت “الشروق” على تفاصيل تجميع وتحويل أطنان من الخردة نحو الجزائر، كما رصدت في هذا “الروبورتاج” كيف يحول “سماسرة” أزيد من 40 ألف دراجة شهريا ومئات السيارات الجديدة ليربحوا من ورائها الملايين، فيما يبقى تهريب سجائر “المالبورو” النقطة التي تطرح علامات الاستفهام رغم صرامة الإجراءات المطبقة من قبل مصالح الجمارك الجزائرية ونظيرتها الفرنسية.
على متن الباخرة اليونانية “أليروس” المؤجرة من قبل الشركة الجزائرية للنقل البحري، التي توفر جميع وسائل الراحة لزبائنها بطاقم جزائري بقيادة المحافظ حسين مسعودي، وبعد عشرين ساعة من الإبحار انطلاقا من ميناء العاصمة، رست الباخرة بميناء مرسيليا، لتبدأ أولى متاعب دخول الأراضي الفرنسية، طبعا ليس على المسافرين العاديين، وإنما “بزناسية الكابة” الذين يجتهدون في تهريب أكبر كمية من السجائر، فسعر هذه الأخيرة هناك يسيل اللعاب، 40 إلى غاية 45 أورو للخرطوشة الواحدة، يعني تهريب 20 خرطوشة يعادل ما قيمته 21 مليون سنتيم، وهي كافية لتغطية مصاريف التذكرة، تأمين السيارة، الإيواء والتنقل في فرنسا لمدة 10 أيام كاملة.

متاعب في مواجهة “تجار الكابة”

بعد حصولنا على ترخيص التصوير والوقوف على عملية تفتيش المسافرين من قبل مصالح الجمارك التي لا تسمح للمسافر حمل أزيد من 200 سيجارة أي خرطوشة واحدة وعلى الأكثر خرطوشتين، فالأعوان جد حريصين على كبح أي محاولة تهريب، لكن سجائر “المالبورو” في كل مرة تصل إلى الجنوب الفرنسي، كيف ذلك؟ “البزناسية” والمهربون وحدهم من يعرفون طريق تحويلها بأمان وتفادي حجزها عبر نقاط التفتيش سواء هنا بالعاصمة أو هناك بمرسيليا.
بعد حوالي نصف ساعة من اللف والدوران بالمكان المذكور، تقربنا من كمال البالغ حوالي 40 سنة صاحب محل لبيع وتصليح الأجهزة الكهرومنزلية المستعملة ينحدر من ولاية قسنطينة، والذي بمجرد أن سألناه عن بيع “مالبورو”، وجهنا لصديقة “أمين”، هذا الأخير استقبلنا بعبارة “أنا هنا أصدقائي، يبدو أنكم جدد بمرسيليا”، فسألناه عن سعر البيع فأجاب: 45 أورو، وعن سعر الشراء: من 37 أورو إلى غاية 40 حسب الكمية المراد بيعها، وهنا وقفنا على عقد صفقة شراء لـ50 علبة بسعر ألفي أورو، أين ما يعادل حوالي 42 مليون سنتيم.

مغتربون يحتكرون نشاط تهريب وبيع السجائر

أردنا معرفة المزيد عن نشاط بيع وشراء سجائر “المالبور”، فنصحنا مغتربون تعرفنا عليهم بمقربة من السوق بالابتعاد عن المكان، لأن الأمور جد خطيرة على عكس ما تبدو عليه، فمصالح الأمن –حسبهم – تداهم المنطقة في أي لحظة، وواصلوا قولهم “وهؤلاء الذين ترونهم يروجون لبيع وشراء السجائر محترفون ومنخرطون ضمن شبكات تبيع وتشتري السجائر من جميع أنحاء فرنسا، لا يتركون في محيطهم ما يمكن لمصالح الأمن أن تدينهم به، والدليل ما ترونه بأم أعينكم صفقات تعقد هنا وتسلم البضاعة بمكان آخر بعيدا عن الأعين وكاميرات المراقبة”.

من هنا تجمع خردة فرنسا وتحول نحو الجزائر

وبعيدا عن نشاط البزنسة بالسجائر، تشتهر مدينة مرسيليا بالأسواق الشعبية “الدلالة” أو ما يسمى بـ”marché au puce” لبيع مختلف أنواع الخردة، من آلات كهرومنزلية وميكانيكية، ملابس مستعملة، أجهزة الكترونية، أواني وأثاث منزلية، لوازم ولواحق السيارات.. في يومي العطلة السبت والأحد يحج مئات المغتربين إن لم نقل الآلاف لبيع أو شراء سلع بأسعار جد رمزية، وهنا ومن خلال جولة داخل السوق رصدنا عمليات جمع وشراء الخردة، فيما كنا نسمع بين الفينة والأخرى عن كم سعر هذه الآلة أو هذه البضاعة في “بلاد”، طبعا حتى يعرف صاحبها هامش الربح الذي سيعود عليه بعد شرائها.. فأروقة “أودو” تعج ببزناسية تحويل “الخردة” نحو الجزائر، وهو ما أكده لنا كريم 36 سنة قائلا: “الأدوات التي ترونها على أنها خردة أصحابها يربحون مبالغ مالية معتبرة بعد تحويلها وبيعها في الجزائر”.
مصدر “الخردة” التي تحول نحو الجزائر ليس فضاءات الأسواق الشعبية فقط، حيث يقول “كريم” في شهاداته لـ”الشروق”، إن بعض المغتربين أو البزناسية يمتهنون نشاط جمع أي شيء يرمى في أزقة الشوارع والأحياء في أماكن مخصصة لذات الغرض، إذ يشرعون في وقت مبكر في القيام بجولة على جميع الأحياء لجمع ما يمكن لهم جمعه.. ويواصل “هنا ليس كما في الجزائر، عائلات تنتهي من استعمال آلة أو أداة أو حتى ملابس أو تريد تغييرها تترك القديمة في هذه المساحات حتى يأتي محتاج ليأخذها ويعيد استعمالها، غير انه في مرسيليا تحول نحو الجزائر لإعادة بيعها بأزيد من عشرات المرات من سعرها بفرنسا”.
فضلنا إتمام عملنا في طريق عودتنا إلى الجزائر، انطلاقا من ميناء مرسيليا، طابور السيارات المملوءة عن آخرها بالسلع، من المدخل الرئيسي للميناء مرورا بنقاط التفتيش ووصولا إلى غاية بوابة الباخرة، هنا التقينا بمغترب جزائري يعمل كعون استقبال وإرشاد داخل الميناء، سألناه عن إجراءات تفتيش السيارات من قبل الجمارك الفرنسية، فأجابنا أن هذه الأخيرة تسمح لهم بنقل كل ما يمكن نقله، بل وتسهل لهم المهمة، عموما لا يوجد ما يمنعهم من ملء السيارات بالخردة وتحويلها نحو الجزائر.

السيارات الجديدة تسيل لعاب “البزناسية”

لم يعد تقتصر عملية البزنسة بأجهزة وقطع غيارات السيارات والخردة والملابس، فموازاة مع كبح استيراد السيارات منذ ثلاث سنوات، انتعشت عملية السمسرة بالسيارات الجديدة، خاصة العلامات الفخمة، وهو ما لاحظناه جليا داخل مستودع الباخرة سيارات “أودي”، “فولسفاكن”، “جيب”، “مرسيديس” جديدة، غير أن الإجراءات الجمركية حسب استفساراتنا لدى مكتب الجمارك داخل السفينة لا تسمح لأي “سمسار” التنقل إلى فرنسا من أجل شراء سيارة جديدة لإعادة بيعها في الجزائر، فـنسبة الضريبة على القيمة المضافة المقدرة بـ19 بالمائة ونسبة جمركة السيارة المحددة بـ30 بالمائة من قيمة السيارة بسعر الدينار تحول دون ذلك، فالنسبة تصل 49 بالمائة، غير أن حيل بعض السماسرة تمكنهم من ربح ما بين 80 إلى 150 مليون في بعض أنواع السيارات، خاصة باستعمال رخصة المجاهدين، أين تسقط جميع الحواجز الجمركية والضريبة على القيمة المضافة.

لهذه الأسباب يحول المغتربون آلاف الدراجات الهوائية

لعل ما يلفت انتباه أي شخص وهو يمر على ميناء العاصمة لحظة وصول الباخرة وخروج السيارات، تلك الدرجات الهوائية التي يحملها أغلب المسافرون، فأحيانا تجد مسافرا واحدا يحمل معه 5 دراجات، ما دفعنا لقصد نقاط بيع الدراجات في مارسيليا، وكانت أول نقطة “سان لازار”.. فبمجرد السؤال عن فارق سعر الدراجة بين شرائها في فرنسا وبيعها بالجزائر تفهم كل شيء.
يقول أمين، وهو شاب جزائري مختص في بيع وتصليح الدراجات، أن سعر هذه الأخيرة الذي لا يتجاوز هناك 80 أورو، أي نحو مليون ونصف سنتيم، يصل في الجزائر إلى غاية 4 ملايين سنتيم على الأقل وتصل الأسعار إلى غاية 8 ملايين وحتى 10 ملايين سنتيم حسب نوع وحالة الدراجة، وفي إجابته عن سبب تحويل هذا العدد الهائل من الدرجات، أجاب قائلا: “طبعا، هناك من يسعى لربح المال وهناك من يسعى لتعويض تكاليف تذاكر الباخرة، السيارة والتأمين عليها”.

هذا ما يريده طاقم باخرة “اليروس”

السفر إلى مرسيليا عبر الباخرة اليونانية “أليروس” التي تضمن للمسافرين راحة ومتعة في آن واحد، فطاقم السفينة بقيادة المحافظ حسين مسعودي يسهر طيلة عشرين ساعة كاملة من الإبحار على راحة المسافرين، بدءا بصعودهم إلى الباخرة وتوجيههم لقاعة الاستقبال ومنحهم مفاتيح غرفهم أو أماكن مقاعدهم، كما يحظى زبائن الشركة الوطنية للنقل البحري بخدمات ذات نوعية داخل السفينة، لاسيما ما تعلق بوجبات الإطعام الثلاث المقدمة داخل السفينة، اذ تتوفر السفينة على مطعمين بمساحة واسعة.
ويقول القبطان حسين في تصريحات لـ”الشروق”: “نحن هنا دائما نسهر على تقديم أفضل الخدمات للمسافرين كما تلحظون، كما نحاول أن نكون دائما عند حسن ظنهم من أجل إعادة تجربة السفر على متن الباخرة”، فضلا عن أننا شركة تجارية ونسعى قدر المستطاع لنكون رائدين في نقل المسافرين من وإلى الجزائر”، زيادة على كل ذلك، فإن أسعار الشركة جد تنافسية مقارنة مع شركات الإبحار الأخرى، فيما تسهر مسؤولة المحطة (الإقلاع)، بميناء الجزائر، صليحة رباح، على تذليل جميع العراقيل التي تواجه المسافرين.

مقالات ذات صلة