-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل آن للشّيخ أن ينعتق؟!

سلطان بركاني
  • 1789
  • 0
هل آن للشّيخ أن ينعتق؟!

بعد مرور أكثر من 40 يوما على طوفان الأقصى، وما تخلّل الأسابيع التي أعقبته من إبادة تعرّض لها المسلمون في قطاع غزّة، على أيدي الصهاينة المحتلين؛ لم تسمع الأمّة حسا ولا ركزا لبعض العلماء الذين عُرفوا بخوضهم في كلّ شاردة وواردة تتعلّق بالخلاف المحتدم في الوسط الإسلاميّ، واهتمامهم بمحاكمة الجماعات وتصنيف الدّعاة، وكان من أبرز أولئك الصائمين عن الكلام: الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، منظّر التيار المدخلي، ونزيل المدينة النبوية. إضافة إلى بعض الدعاة في الجزائر المحسوبين على الطائفة المدخلية.
أمّا الشيخ ربيع المدخلي، فلم يُنشر على موقعه ولا على الصفحات التي يديرها تلامذته، أيّ بيان أو كلمة أو فتوى تتعلّق بالأحداث الجارية في قطاع غزّة.. ولعلّ مردّ ذلك أنّ الشيخ من أشدّ الناقمين على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) باعتبارها تابعة لجماعة الإخوان المسلمين “الضالّة المنحرفة”! في أدبيات الشيخ ربيع ومن يدور في فلكه، وبالتالي فجهادها للصهاينة ليس هو الجهاد الصحيح الذي يحمل الشيخ على إخراج بيان تأييد لما قامت به في السابع من أكتوبر.. بل إنّ من هاجموا حماس في الأحداث الأخيرة واتهموها باستفزاز اليهود والتسبب في مقتل آلاف المدنيين في القطاع، ينتسبون إلى الشيخ ربيع ويصدرون عن تقريراته وأحكامه!
ورغم صمت الشيخ ربيع المطبق والمقصود، إلا أنّ أتباعه عادوا إلى الأرشيف ليستخرجوا له كلمة قديمة تعود إلى العام 2017م، كان قد وجّهها إلى اليهود بعنوان: “صيحة نذير إلى أمّة الغضب (اليهود)”، تضمّنت بين طياتها طعنا مبطّنا في حركات المقاومة، بأنّها ليست على منهج النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- وأبي بكر وعمر وخالد. ولعلّ الأتباع المنقّبين في الأرشيف أرادوا -من خلال الكلمة- الطّعن في العملية الأخيرة التي قام بها جند القسّام!
أمّا على صعيد الدّعاة المحسوبين على الطائفة المدخلية في الجزائر، فقد كان لافتا ذلك الإحجام الذي لزمه أتباع الشيخ ربيع إزاء ما يحصل في غزّة من أحداث تحرّك لها الحجر، وتفاعل معها الغربيون وحتى بعض اليهود في العالم.. ولعلّ مردّ هذا الإحجام أنّ أتباع هذا التيار في الجزائر قد انقسموا إلى طوائف، أبرزها طائفتان تتربّص إحداهما بالأخرى، ويتحيّن أتباع كلّ طائفة منهما أيّ كلمة تصدر عن رؤوس الطائفة الأخرى، تخالف الأصول المدخلية، ليطيروا بها على عجل إلى زعيم التنظيم في المدينة النبوية ليصدر فرمانه بإخراج الموشَى بهم من المنهج!
لكنّ الاستثناء قد حصل في الأيام الأخيرة، حين تداول الموالون للدكتور محمد علي فركوس كلمة جديدة له تأتي 9 سنوات بعد آخر كلمة له حول غزّة في العام 2009م تحت عنوان: “البيان الأخويّ الحميم على حدث غزّة الأليم”.. الكلمة الأخيرة جاءت في شكل فتوى قدّمها لبعض طلبته في جامعة الخروبة حول أحداث غزّة.. وللإنصاف فقد كانت كلمة سديدة، وفتوى رشيدة، وافق فيها كلام علماء الأمّة -غير المحسوبين على الطائفة المدخلية- وتكلم بما تكلم به أعلام الأمة قديما وحديثا.. وقد طار بها مناوئوه واتّخذوها دليلا جديدا يثبتون من خلاله انحراف الشيخ فركوس عن الأصول المدخلية التي يسمّيها هؤلاء “منهج السّلف”! لكن لعلّ الشّيخ سيجد له ملاذا بأنّ هذه الفتوى غير مسجّلة بصوته، ولا مدوّنة بقلمه، وقد عُهد منه أنّه طالما واجه خصومه بأنْ لا حجّة عليه فيما يُنقل عنه ما دام لم يدوّن في موقعه!
كان المهتمّون بالشّأن الدعويّ في الجزائر سيفرحون بفتوى الشّيخ فركوس، لو أنّه جهر بها وتبنّاها بصوته أو قلمه، كما فرحوا من قبل بمخالفته الطائفة المدخلية في مسألة “الإنكار العلنيّ”.. والنّازلة -كما لا يخفى على الشّيخ- أهمّ وأعظم من أن تفي بحقها كلمة عابرة في لقاء عابر بجامعة الخروبة، بل تستحقّ أن يكتب في حقّها بيان رسميّ يردّ به الشّيخ على العلماء والدّعاة الذين حيّروا الأمّة في الأسابيع الأخيرة بكلامهم الذي زعموا فيه أنّ الجهاد لا بدّ له من إذن وليّ الأمر، وأنّه لا يصحّ من الجماعات والأحزاب، في إشارة إلى حركة المقاومة الإسلامية حماس التي ينظر إليها هؤلاء على أنها حزب منضو تحت السلطة الفلسطينية ولا يحقّ له أن يعلن الجهاد بمعزل عن السلطة الرسمية!
ربّما قد سنحت الفرصة، وآن الأوان، لأن يشبّ الشيخ فركوس عن طوق المدخليّة ويتخلّص من أغلالها، ويفرغ همّه من الاهتمام بتعداد الأتباع الذين لن يغنوا عنه من الله شيئا، والتوجّس من أحكام الشيخ ربيع ومريديه.. لن يضرّ الشّيخ فركوسَ أن ينفضّ من حوله مدمنو التّجريح ليلتحقوا بخصومه الذين وصل بهم الأمر إلى حدّ الاعتقاد بعصمة الشيخ ربيع المدخليّ في أحكامه على العلماء والدعاة والمصلحين! سيخسر الشيخ فركوس ذلك الغثاء، ويكسب -بإذن الله- محبّة إخوانه العلماء والدّعاة السلفيين، وإخوانه العلماء من مختلف الطّوائف، ويكسب محبّة الجزائريين الذين يعشقون فلسطين ويحبّون للشيخ أن يكون شيخ أمّة وليس شيخ طائفة.
قبل استشراء فتنة التجريح، كان الشيخ فركوس داعية سلفيا مهتما بإحياء تراث جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وعرف عنه بعده عن متاهات التجريح، وعفّة لسانه وقلمه عن ثلب العلماء والدّعاة، بل قد كان ينكر على دعاة التصنيف غلوّهم، حتّى طاله تجريح زعيم التنظيم المدخلي الذي أخذ على الشيخ فركوس أنّه ضعيف في المنهج، وشاع هذا الوصف عن الشيخ الذي لم يحتمل وقع “التهمة” على مكانته في الساحة الدعوية، ولم يحتمل توجّه الطلبة بسؤال غيره في قضايا المنهج، فبدأ يشمّر للدّخول في مستنقع التجريح شيئا فشيئا حتى أمست مجالسه لا تخرج عن القيل والقال والسؤال عن حال فلان وقول علان.. وظلّ الأمر كذلك حتى حلّ وباء كورونا، فخالف الشيخ فركوس فتاوى التباعد وسقوط الجمعة، ما جرّ عليه كلام بعض العلماء في الحجاز الذين ربطوا بين فتاواه هذه وبين مسألة الإنكار العلنيّ على الحكّام.. وهو الموقف الذي تبناه بعض المداخلة في الجزائر وشهروه سلاحا في وجه الشيخ، وأخذوا يؤلبون عليه أتباع الطّائفة، وانطلقوا يخرجون له من فتاواه القديمة ما يثبتون به خروجه عن المنهج المدخلي وميله إلى ما يسمّونه “المنهج السروريّ”!
ربّما لن يطول الأمر، حتّى يصدر الفرمان المدخليّ بتجريح الشّيخ فركوس، أو على الأقلّ تزهيد الأتباع في الجلوس إليه والأخذ عنه.. ولعلّه يحسن بالشّيخ أن يستبق الأمر ويستغلّ النّقمة العامّة التي اجتاحت العالم الإسلامي عامّة والجزائر خاصّة، ليعلن انعتاقه من ربقة الطّائفة وخروجه إلى رحاب الأمّة الواسعة، والله الموفّق.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!