الرأي

هل الجزائر في أزمة؟

التهامي مجوري
  • 4276
  • 0

لا أظن أن الجزائر في أزمة حقيقية، بالمعنى الذي يسوق له السياسيون المتصارعون في الساحة؛ لأن الأزمة في تقديري هي مستوى معين من المعجز عن إيجاد الحلول للمشكلات، والواقع الجزائري لم يبلغ هذا الحد من المستوى، وإنما هو أسير ما ألفنا من علاجات عرجاء للقضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. فالقوم ألفوا اعتماد البترول كمرجع أساسي وكمصدر ربما وحيد في العملية الاقتصادية، ولم يألفوا كما هو الحال في الدول التي تحترم نفسها، الاستثمار في الإنسان والطبيعة والقيم، واستغلال كل متاح في المجتمع، وفي الأزمات تلمس الحلول في الساحات غير المألوفة، والانتباه إلى مواطن التقصير وما أكثرها في مؤسساتنا.

وبما أن القوم ليسوا من الطينة المشار إليها، وبقوا رهائن لما ألفوا من التصرفات، وقد نزل سعر البترول، ما كان منهم إلا دق ناقوس الخطر، والإسراع بالتضييق على الشعب لصالح الإدارة والمؤسسات الرسمية.

في حين أن غنى المجتمعات والدول ليس بما اعتادت من تصرفات، أو بما تملك من إمكانات مادية، وإنما غناها الحقيقي فيما تملك من طاقات وإطارات بشرية وزاد معرفي، وبما تملك من إمكانات مادية غير مكتشفة أو أخفتها عوائدنا السيئة،لأن الممتلكات المادية كلها خاضعة لعوامل أخرى تتحكم في قيمتها الحقيقية، اما الإطار البشري وطاقاته، لهما قيمة ذاتية ونفعها متعدي.

 وعندما نعرض للوضع في الجزائر ونحن نتكلم عن الأزمة فيها، نقول بكل فخر، الجزائر تمتلك كل تلك الأمور المشار إليها: الطاقات والإمكانات البشرية، والإمكانات المادية المعروفة والكثير من غير المعهودة، ولكن العادات السيئة التي ورثها القائمون على تسيير البلاد أو التي تشكلت عندهم خلال ممارساتهم لمدة لا تقل عن نصف قرن، أخفت الكثير من هذه الطاقات الاجتماعية، وهجَّرتها إلى خارج البلاد، لتستفيد منها المجتمعات التي تحترم نفسها.

وحتى لا يبقى كلامي في التنظير والسبح في الهواء كما تقول عامتنا، سأذكر أمورا كل الناس يعرفونها، وأحسبها محل إجماع بين البشر، ويرونها كلهم رسميون وشعبيون، ولكن في غالب الأحيان لا ننتبه إلى أهميتها كرأسمال اجتماعي ومادي يغبطنا العالم عليه.

أولا: الجزائر عندما تستدين، لا تجد صعوبة في وجود من يقرضها؛ باعتبارها بلدا غنيا والعالم لا يقرض الفقراء؛ لأن الغرب والمؤسسات المالية لا يقرضون إلا بضمانات، وأكبر ضمان هو غنى الأرض، والجزائر كما هو معروف، بلد يتربع على مساحة طويلة عريضة، ينبت فيها كل شيء، تتمتع بفصول أربعة كاملة، مياهها الجوفية –لا سيما في الجنوب-، كثيرة جدا، وعدد سكانها قليل جدا بالقياس إلى مساحتها الشاسعة، حيث لا يتجاوز عدد سكان مدينة من مدن الهند. وبلد بهذا المستوى من الغنى، إذا لم يجد من الرشد الكافي للاستثمار، فإن جميع هذه الإمكانيات لا تظهر، مثل العضو الذي لا يشتغل فإنه يضمر، فلو أن أحدنا أبقى على يده أو رجله على وضع معين لمدة شهر مثلا، ثم أراد أن يعيد يده أو رجله إلى طبيعتها فإنها لن تعود مثلما كانت إلى بإعادة تأهيلها…، وكذلك الإمكانات غير المستثمرة فإنها تتحول إلى “عالم غير موجود” أو لا نشعر بوجوده، رغم انه موجود.

ثانيا: نسبة الشباب من مجموع عدد السكان، تبلغ حولي 70 بالمائة، وعندما نتكلم عن نسبة الشباب، فإننا نتحدث عن طاقة كامنة في المجتمع تبحث لها عن مصارف في الواقع التعليمي والتكويني والتنموي، أي أن 70 بالمائة مؤهلون للإضافة في المجتمع، إضافة معرفية أو إضافة في التحكم Maitrise ، أو إضافة في الإنتاج؛ لأن طبيعة الشباب ليس التنظير أو العطل، وإنما طبيعته هي القدرة على صرف الطاقة، وعندما لا يجد برامج استثمارية يصرف فيها طاقته، فإنه يهاجر إلى حيث يجد مصارف لطاقاته الكامنة، أو أنه ينتحر اجتماعيا، فيوجه تلك الطاقات وفق منظوره الأناني الشهواني القاصر على المتعة الزائلة، إو بتحويل تلك الطاقة الكامنة إلى قنابل معدة للإنفجار في أي صورة كانت، تستجيب لهواه وتحقق له معنى المغامرة والبطولة واستعراض العضلات التي يتمناها كل شاب.. سواء بالانخراط في تنظيمات متطرفة انتقامية، او في مجموعات الجريمة المنظمة، أو بامتهان مهن رخيصة ساقطة، كالاتجار في المخدرات والرقيق الأبيض كما يقال أو التهريب…إلخ.

ثالثا: الجانب المعرفي الجزائريون في كثير من بلاد العالم إطارات وقادة في المؤسسات التي يشتغلون فيها، والكثير منهم يتمنى العودة لخدمة بلاده، وأنا أعرف شخصيا أن مئات من الشخصيات الجزائرية المهمة في مؤسسات الغرب، كانت تحزم أمتعتها في سنة 1991/1992، وكانت تنتظر نتائج الانتخابات التشريعية التي تعهد الرئيس الشاذلي بن جديد رحمه الله باحترام نتائحها، وهي أول تجربة ديمقراطية في الجزائر، استعدادا لتقديم خبراتهم خدمة للبلاد وإنجاحا للتجربة السياسية المقلبة عليها البلاد.. ولكن بكل أسف تراجعوا ومنهم ربما من يئس من العودة إلى البلاد أصلا إلا لزيارة الأقارب.

والكلام عن المعرفة، ليس كلام عن عدد من الدكاترة ومن الحاصلين على الشهادات العليا، في المجالات المتنوعة، التي تصم بها آذاننا المؤسسات الرسمية كل عام، وإنما هو حديث عن قاعدة هامة في التنمية وعن مستوى معين من الخبرات الإنسانية لا يجوز تجاهلها، وهي ان نسبة المعرفة في الاستثمار، تجاوزت الـ80 بالمائة؛ بل إن تقارير علمية ودراسات تتحدث عن أن نسبة المواد الخام من المنتجات، لا تتجاوز الـ1 المائة، و5 بالمائة أعمال تقليدية وتصنيع، بينما المعرفة، من معلومات وأفكار ومعارف تمثل 94 بالمائة، أي أن كل منتوج ينتجه المجتمع تمثل نسبة المعرفة فيه 94 بالمائة…، فما حجم الاهتمام بعالم المعرفة في بلادنا يا ترى؟ وما نسبتها في مشاريعنا الاستثمارية، والمخططات الرباعية والخماسية…، ام أن “اللي يحوس يفهم يدخل الحبس”؟

رابعا: نقارن الجزائر بالمغرب وتونس، الجارتين اللتين لا تملكان بترولا ولا غازا، ومع ذلك لا يسمعان “بالعويل الذي نسمعه هذه الأيام” في بلادنا، هاتان الدولتان لا شك أنهما تنتعشان عندما نعاني نحن من أزمة البترول والغاز، ولكنهما لا يتضرران كثيرا عندما ننتعش نحن بارتفاع سعر البترول، لماذا يا ترى؟ لأننا نحن نسبح بحمد البترول والغاز، وعندما يتأثر البترول والغاز نبرك كما يبرك البعير، اما تونس والمغرب، فلم يفكرا فيه لأنهما لا يملكانه وإنما اتجهتا إلى مجالات أخرى، الزراعة والسياحة والصناعات التقليدية والعملة الصعبة التي يجلبها المغتربون…إلخ.

هذه القضايا الأربع كافية للكشف عن ضحالة مستوياتنا التنموية.. فغنى البلاد الذي حصره القوم في البترول والغاز، قد ذكرنا في مقال سابق “فصل في التخريب الممنهج”، أن البلاد تتعرض لعملية تخريب ممنهجة، لا سيما في عالم الاستثمار..، فلا ندري لماذا هذا التجاهل لعالم الزراعة في بلادنا؟ رغم أن الأمن الغذائي من بين روافد المجتمع وإغنائه عن السؤال، ولا ندري لماذا ليس لإدارتنا اهتمام بالسياحة بالقدر الذي يغني البلاد عن البترول والغاز؟ لماذا لا يكون هناك تشجيع لابتكار صيغ جديدة في عالم الاستثمار؟…، “ربما لا تصدقوني إذا قلت لكم إن تراب بلادنا مادة أولية لمصنوعات يبحث عنها العالم”. أما الشباب والمعرفة فلا حديث عنهما إلا في 5 جويلية في الذكرى المزدوجة –الاستقلال والشباب-، وفي 16 أفريل في يوم العلم، لنذكر للناس ان الشباب هو طاقة الأمة وان العلم فريضة على كل مسلم.. ولا نشغل أنفسنا بالبحث عن أسباب عزوف الشباب عن الاهتمام بالشأن العام..، ولماذا الحرقة ومغامرات البحار؟ ولماذا هجرة الأدمغة؟ ولماذا قمع الفاعليات الشبابية؟ او على الأقل لماذا لا يجد الشباب طريقه معبدة أو ميسرة له؟ والإجابة عن ذلك في تقديري تكون عندما يعلن عن نسبة معدل أعمار مؤطري مؤسسات الدولة والشركات العمومية والإدارة، حينئذ ندرك لماذا لم ننتبه إلى أهمية الشباب في التنمية .

في هذه الأيام هناك اهتمام بالموضوع حسب النقاشات التي تثيرها وسائل الإعلام مع المجتمع المدني، ولكنه اهتمام في تقديري منقوص؛ لأنه يسلم بأن هناك أزمة اقتصادية أو مالية في الجزائر، وذلك بسبب انخفاض سعر البترول، وأنه سيؤثر سلبا على احتياطي الصرف، وهذا غير صحيح؛ لأن الأزمة الحقيقية في طريقة التسيير وفي ضعف المشاريع الاستثمارية وفي الفساد الذي أصبح بعبعا يخيف المجتمع أكثر من أي شيء آخر، فعندما سئل الأستاذ عبد الحميد إبراهيمي عن قنبلته “26 مليار” التي أطلقها في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، قال عندما كنت رئيسا للوزراء، كنت أتابع أسعار المواد الاستهلاكية التي نستوردها في البورصا في العالم، وكنت أقارن بين الأسعار في الفواتير السلع التي نستوردها، وبين أسعار البورصا في العالم فخرجت بهذا الفارق، وهذا الفارق يكون بطبيعة الحال إما عمولات يأخذها المكلف بالاستيراد، أو أن فارق هذه الأسعار تكون لصالح المتعامل على حساب الشعب الجزائري الجزائر بتواطؤ من المكلف الجزائري.

وفي الأخير ألا يمكن ان نضع الخلافات السياسية جانبا، ونعود إلى التعاون الجزائري المغربي والتونسي ونحيي تلك القيمة الإضافية للمغرب العربي الكبير، ألا وهي قيمة “المقايضة للمنتوج المغاربي”، بين دوله، وتقليص استيراد المنتوجات غير المغاربية؟.    

مقالات ذات صلة