الرأي

هل الغباء قدرنا؟

عندما اندلعت حرب أفغانستان عام 1980، ظن بعض المسلمين أن الولايات المتحدة دعمتهم بتدخلها السافر، لأجل أن يقضوا على الاكتساح الشيوعي الماركسي لبلاد جمال الدين الأفغاني، فهبّوا من كل الأمصار، يبغون “شهادة في سبيل الله”، اتضح مع مرور السنوات، أنهم مجرد قرابين، لأجل أن تبقى أمريكا في جنوب آسيا، فتهاطلت فتاوى الجهاد، وهلك عشرات الآلاف من شباب المسلمين، والتهمت الولايات المتحدة الأمريكية أفغانستان، ولم تتركها، رغم مرور قرابة ثلث قرن من الزمن، والآن على مشارف حرب جديدة في سوريا، يظن بعض المسلمين، من مختلف التيارات، من الذين تهاطلت عليهم فتاوى تكفّر العلويين، بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستخلصهم من طاغوت أباد أهل السنّة، فهلك عشرات الآلاف، بحجة الجهاد ضد الروافض، فتحولوا إلى قرابين أخرى لأجل الطاغوت الأكبر، الذي سيلتهم سوريا كما التهم العراق وأفغانستان، ولا نظنهم يتصوّرون، أو حتى يحلمون بأن سوريا ستتحول إلى دولة بنظام إسلامي، وهي البلد المحاذي للأرض المحتلة، التي هي في الأساس أصل كل هاته الحروب التي تعلنها أمريكا ويحارب فيها الأغبياء بدلا عنها.

لقد استنزفت الفتنة في سوريا الوقت والأعصاب والأرواح، وتنابز فيها كبار العلماء، وهلك بعضهم، وانقسمت الأمة شِيعا وفرقا، فكان أردوغان المسلم يقول، ونجاد المسلم يردّ عليه، وكانت قطر المسلمة تضع مالها وإعلامها في نار الفتنة، وكان حسن نصرالله المسلم يدفع بجنوده الذين تدربوا لقتال الإسرائيليين إلى الحرب في أعماق سوريا، فأفتى الشيخ القرضاوي في سنتين ما لم يفته في ثلثي قرن من عمره الدعوي، واستشهد رمضان البوطي برصاص الأهل، وهو الذي لم يتعرض لأي محاولة اغتيال من جيرانه الصهاينة، واتضح بعد هذه القرابين التي لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر ببال أحد مثلها في حروب سابقة أو لاحقة، أن الولايات المتحدة هي التي تريدها، ليس لأجل تغليب الذين يسمّون أنفسهم ثوارا، ولا لأجل تغليب السنّة على العلويين، وإنما لتضع سوريا في نفس المتحف الذي وضعت فيه العراق وربما مصر في أكبر عملية تحنيط للشعوب وللدول في التاريخ.

المشكلة ليست في الخطأ، وإنما في التمادي فيه، وستصبح المشكلة أكثر فظاعة عندما تنساق إليها الشعوب، ويجد العلماء أنفسهم يتناقضون ما بين فتوى وأخرى، فمنهم من التقى بالرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، وبالرئيس السوري بشار الأسد في لقاءات حميمية، ثم كفّرهما وطالب بقتلهما، ومنهم من أشاد بحزب الله وقال للأمة إن أمينه العام من رجالات الإسلام، ثم صار يصفه بحزب الشيطان، من دون أن يعتذر، إما عن خطئه السابق، أو اللاحق، أو يصمت، بعد أن اختلطت الأوضاع، وصار الذين يعيشون في سوريا أو في مصر لا يكادون يفكّون طلاسم ما يحدث، فما بالك بالذين يعيشون في أوطان بعيدة، ومنهم من بلغ سنّه حافة الخرف أو درجة المرفوع عنهم القلم.

 

وإذا كان جنرالات وعلماء ورؤساء وملوك الأمة، قد بلغوا جميعا من العمر عتيا، وقد يدخلون بعد هذه الفتن التي مزقت الأمة ضمن دائرة المرفوع عنهم القلم، فإن غباء الشعوب التي تصدق كل ما يقال لها، لا قلم مرفوع عنهم.

مقالات ذات صلة