-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل تتحمّل التربية مسؤولية إخفاق المدرسة؟

خير الدين هني
  • 212
  • 0
هل تتحمّل التربية مسؤولية إخفاق المدرسة؟

انتقد الناس كثيرا نظام المدرسة الأساسية، حينما تأسست في عام 1980، بقرار سياسي ملزم، لكون الدولة في تلك الفترة، كانت تتبنى الطرح الوطني القومي في مشاريعها السياسية والأيديولوجية، وكانت تصدح بذلك في خطابها التوعوي والدعائي، على أن ما تقوم به هو إصلاح شامل يمسّ النظام التربوي برمته، انطلاقا من إعادة النظر في بناء الأهداف والغايات، والمناهج والبرامج والمواقيت والطرائق ومحتويات التعليم، وفق مشروع إصلاحي طموح يستمد فلسفته القيمية، من الثقافة التراثية للأمة وكذا من اهتمامات المجتمع، وانتظاراته الدينية واللغوية والحضارية والتاريخية.
وهي الاهتمامات التي ينص عليها التراث الفكري والعقائدي للأمة الجزائرية، المكرّس في ديباجة بيان أول نوفمبر، الذي سطّر أحرفه الآباء المؤسسون لثورة التحرير المجيدة، ومن أجل بلوغ أهداف الثورة قدّم الشعب الجزائري تضحيات جساما من أجل استرداد الاستقلال الجغرافي والسياسي واللغوي والثقافي، وليس من أجل الذوبان والانحلال في ثقافات أجنبية معادية للأمة، وما أسسه الآباء الثوريون لا يجوز لأي كان- مهما بلغت مكانته ومركزه- أن يلغيه أو يبطله أو يستعيض عنه بمشاريع أخرى، لا تمت بصلة لهوية الشعب وشخصيته الثقافية والتاريخية.
وترّكز محور الإصلاح في النظام الأساسي، على تعريب التعليم بكل مراحله وتخصصاته، واعتبار ازدواجية التعليم بلغتين وطنية وأجنبية من مآسي الحقبة الاستعمارية، ونظر الإصلاح إلى أن الاستقلال التام لا يتحقق إلا باسترجاع عناصر الهوية كاملة غير منقوصة، كما تضمن بعض الجوانب الفنية والتقنية التي تتعلق بهوامش التدريس وليس بلبه وجوهره، لأن عملية بناء المناهج وطرائق التدريس، بقيت على حالها تعتمد التربية التقليدية من الجيل الثاني، في التصور الفلسفي لبناء المناهج وفنيات التدريس، ولا أقصد بالتربية التقليدية تلك التي كانت معتمدة قبل أن يصبح علم النفس علما تجريبيا، كما كانت عليه قبل بداية القرن العشرين إلى غاية المنتصف منه.
وإنما أقصد بها الطريقة الكلية أو الإجمالية، التي لم تجعل التعليم مُمعيرا بمؤشرات قياس، للتأليف المدرسي وطرق التدريس ونظم التقويم، حيث كانت الطريقة تعتمد خطوات هربرت الخمس، انطلاقا من التمهيد والمراجعة وانتهاء بالتطبيق، وهذه الطريقة تعرّضت لنقد لاذع من علماء التربية العقلانيين، لأنها كانت تهتم بتنظيم المادة الدراسية وتقسيمها وتبويبها، وليس بنشاط المتعلمين وفاعلياتهم في النشاط والأداء، وكذلك لم يكن لديها معايير دقيقة تقيس أداء المتعلمين في كل إنجاز ونشاط، كما هو عليه الأمر اليوم في مناهج وطرائق المقاربة بالكفاءات، وإن كانت هذه الطريقة حين ظهرت في بداية القرن العشرين، بدت كطريقة ثورية على الممارسات التقليدية الكلاسيكية العشوائية، غير المنظمة التي كانت سائدة قبل ظهورها، والتي كانت تعتمد في دراساتها النفسية على علم النفس الشعوري، وليس على علم النفس التجريبي.
أما ما يتعلق بالإصلاحات التي تعيد النظر في طرق تأهيل المكونين والمدرسين، فكانت شكلية ولم تتناول إلا عمليات جراحية إجرائية وحسب، وقد تماهى مع هذا الإصلاح الجزئي عدم الجدية في بروز ثورة إصلاحية كبرى، تتصل بإعادة تأهيل مؤسسات التعليم وهياكل التدريس، وتوفير وسائل التعليم ونوعيتها، وتحسين الأوضاع الاجتماعية لرجال التربية، فبقيت هذه الجوانب على حالها تكرس الغبن والرداءة، باستثناء ما وُفِّرَ من بعض مشاهد التعبير التي رافقت الطفرة الأولى للإصلاح، ثم لم تلبث أن شملها النسيان والإهمال وعدم الاهتمام، كما لو أنها من المكمّلات التي لا نفع يرجى منها، وهذا ما جعل الإصلاح يتعثر -إلى حد ما- في تحقيق الجودة المطلوبة، وهي الجودة الطموحة التي تناولتها الأهداف والغايات، التي كانت تسعى إليها المدرسة الأساسية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!