الرأي

هل ترضى حماس بدويلةٍ في غزة؟!

حسين لقرع
  • 681
  • 9

يبدو أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس غير مكترث بنسف مساعي الصلح بين سلطته وحركة حماس، فهو لا يترك أيّ مناسبة تمرّ إلا ويطلق فيها النار على الحركة ويتَّهمها بالانخراط في “صفقة القرن” الأمريكية الرامية إلى فصل غزة عن الضفة وإقامة دويلةٍ فلسطينية فيها.
موضوعيا، تبدو تصريحات عباس مُجافية للحقيقية وغير مُنصفة بالمرّة، فهل يُعقل أن تكتفي حماس بدويلة عجفاء على أقلّ من 2 بالمائة من مساحة فلسطين التاريخية؟ حماس تسيطر على القطاع منذ 11 سنة كاملة فلماذا لم تُعلن قيامَ “دولة” على أراضيه وتنتظر إلى أن تأتي “صفقة القرن” المزعومة وتنخرط فيها؟
لقد رفعت حماس السلاح بوجه العدوّ منذ سنوات طويلة، وقالت بوضوح تام إن هدفها الرئيس هو تحرير فلسطين كلها من البحر إلى النهر، وليس إقامة “دولة” على غزة ولا حتى على حدود 4 جوان 1967 التي لا تضمّ سوى 22 بالمائة من مساحة فلسطين التاريخية، كما يسعى إلى ذلك الرئيس عبّاس منذ توقيع اتفاق أوسلو إلى الآن بلا نتيجة.
منذ البداية، انتهجت حماس المقاومةَ سبيلا وحيدا لتحرير فلسطين كلّها، ونبذت “عملية السلام” المزعومة التي لهث وراءها الرئيس عباس وخاض مفاوضاتٍ ماراطونية شاقة استنزفت ربُع قرنٍ من عمر فلسطين من دون أن تحقق أيّ نتيجة للفلسطينيين، وبالمقابل جنى الاحتلالُ الكثير من ربح الوقت في هذا الماراطون التفاوضي العبثي فوسّع دائرة الاستيطان وقطّع أوصال الضفة الغربية وهوّد المدن وقوّض أساسات الأقصى… والأكثر من ذلك، ساهم عباس في القضاء على المقاومة المسلحة في الضفة الغربية بفعل “التنسيق الأمني” مع الاحتلال، وأصبح مئاتُ الآلاف من المستوطنين يستبيحون حِمى الضفة تحت حماية نحو 42 ألفا من أفراد شرطة دايتون الفلسطينية!
ومنذ نحو ثلاثة أسابيع فقط، قال نتنياهو وليبرمان إن الرئيس عباس يريد دفع جيش الاحتلال إلى شنِّ حربٍ جديدة على غزة والقضاء على حماس قصد إعادة القطاع إلى سلطته، وأظهر الرجلان بأنهما غير مستعدّين للتضحية بجندي صهيوني واحد من أجل عباس، ولم نسمع من الرئيس الفلسطيني تعليقا على هذه التصريحات الخطيرة التي تتهمه بتحريض عدوّه على شنّ حربٍ جديدة على نحو مليونين من أبناء شعبه؟!
المأساوي أكثر في الموضوع، هو أنّ الرئيس عباس خفّض رواتب موظفي غزة، وقد أعلن قبل يومين فقط أنه سيتخذ المزيد من الإجراءات العقابية بحق جزءٍ من شعبه، غير مكترث بتعميق معاناته المعيشية من جرّاء الحصار الصهيوني الخانق، وحينما تتّجه حماس إلى قبول المال القطري لتخفيف معاناة الفلسطينيين تثور ثائرة عباس ويتّهمها بالسعي إلى الانفصال والانخراط في “صفقة القرن” الأمريكية!
ونضيف أخيرا أن تهدئة العشر سنوات التي تسعى إليها حماس مع العدوّ مقابل تخفيف الحصار عن غزة، ليست شرّا، ولا سابقة في التاريخ، فقد اشتدّ الحصارُ في الآونة الأخيرة وحوّل حياة مليونيْ فلسطيني إلى جحيم، وحينما تسعى حماس وباقي فصائل المقاومة إلى رفعه أو حتى تخفيفه عبر التهدئة المؤقتة مع الاحتلال، فهي لم ترتكب جريمة، كما أنّ التهدئة مطلبٌ للعدوّ أيضا بعد أن أحرجته مسيرات العودة والبالوناتُ الحارقة وتصاعدُ الوضع في غزة.. وبدل المزايدة الفارغة على المقاومة، الأحرى بعباس تنفيذ قرار المجلس المركزي الفلسطيني المتّخذ في أواخر أكتوبر الماضي وتوقيف عار “التنسيق الأمني” مع الاحتلال.

مقالات ذات صلة