جواهر

هل توجد من تطلب الطلاق لأنّ زوجها لا يصلي؟

أماني أريس
  • 11786
  • 17
أرشيف

دون زوجها، دون قومها، تركت آلهة الضلال، وآثرت الارتقاء بروحها إلى خالق الكون الذي تأنس إليه الفطرة، وتقنع به العقول، وتطمئن إليه القلوب، لا شك أن كل من يتخيل موقف امرأة تتحدى زوجها، أو أهلها وقبيلتها، وتجاهر باعتناقها لدين جديد، بالكاد لاح نوره في الأفق، سيدرك أنه موقف شجاع، لا يصدر سوى عن امرأة حرة مستقلة تؤمن بأن عقلها وروحها ملك لها، ولا حق لأي كان أن يصادر لها ذلك. وأن حياتها لابد أن تكون موافقة لقناعاتها.

هكذا كانت حال العديد من نساء عصر النبوة، نذكر من بينهن الصحابية الجليلة أم سليم الأنصارية. تزوجت في الجاهلية رجلا من أكابر القوم، هو مالك بن النضر وأنجبت منه الصحابي الجليل أنس بن مالك،  ما عزّ عليها فراق زوجها لها وهي في غرّة شبابها، ولم تستسلم لمساوماته وتهديداته لها، بل ظلت ثابتة على موقفها مدافعة عن قرارها. وبعد أن يئس منها، خرج غاضبا إلى   الشام، إلا أنه قُتل في سفره، فتزوجت بعده أبو طلحة الأنصاري الذي اشترطت عليه الإسلام مهرا، وبالفعل أسلم الرجل عن قناعة بعد مهلة من التفكير وتمّ الزواج.

ترى هل توجد في زمننا من تطلب الطلاق لأنّ زوجها لا يصلّي؟ إن وجدت فهي من النّادرات، والواقع المرّ أن مئات الزوجات يدنّ بالولاء المطلق لأزواجهن حتى لو كانوا سائرين في وادي جنهم، المهم أنها لا تخسره فتوصم بلقب المطلقة.

وتنشأ مئات البنات في مجتمعنا ولا هدف لهن في الحياة سوى الظفر بزوج! وفي سبيل هذا الهدف تعصي الواحدة ربها، وتخون ثقة عائلتها، وتتخلى عن الكثير من مبادئها في سبيل غير مضمون للوصل إليه، فالزواج وحده ما يجعلها إنسانا كاملا في مجتمعها!

هنا يتضح الفرق جليا بين من تكافح وتنافح عن حريتها الشخصية في اعتقاد ما اطمأنت له نفسها، وأملاه عليها عقلها وضميرها، وبين من تتنكر لعقلها وضميرها، وتعيش تابعة لأفكار الغير، وما يحكم به الغير بغض النظر عن صوابه من خطئه. وبطبيعة الحال  لا يقتصر الأمر على الزواج فحسب، بل في كل شؤون الحياة.

عندما أنيخ راحلة تفكيري في واقع عصرنا، وأضرب خيام إمعاني في الكثير من أفكارنا، يتراءى لي أن الجاهلية مصطلح نسبي لا يخص فقط عصر ما قبل الإسلام. فكلما وجدنا فكرة العبودية الفكرية مستشرية في مجتمع ما، وفي أي عصر من العصور، فثمة الجاهلية بعينها.

فلو أتينا لمقارنة بسيطة بين اللائي عشن في عصر يقال أن المرأة فيه كانت منبوذة، نبا عنها حق الشكوى، وأجفل عنها النّصير، وبين نساء عصر سالت فيه المحابر، وصخبت الحناجر منادية بالحريات الفردية وحقوق الإنسان سيما حقوق المرأة، سنجد أن الحرية والقوة والشجاعة التي كانت عليها الكثيرات من نساء عصر الجاهلية، أكبر بمراحل بل بما لا يدع مجالا للمقارنة بحرية عدد معتبر من نساء اليوم في مجتمعنا، باختصار نعيش في زمن الحريات القشرية، التي تستخدم غالبا لتكريس وترسيخ العبودية والتبعية الجوهرية!

مقالات ذات صلة