هل تونس أفضل منا؟
التحوّل السياسي الذي تعرفه الجزائر اليوم وستعرفه في المستقبل سيختلف تماما عن بقية أشكال التحوّل التي عرفتها وتعرفها المنطقة العربية.. مثلما عرفت أزمة فريدة من نوعها في بداية التسعينات ولم يكترث لها أحد، بل تشَفّى فيها الكثير، ستعرف تحوّلاً لا يتوقعه أحد، وربما سيُغيض الكثير هذه المرة.
على خلاف ما يبدو، نحن لا نتجه نحو مأزق سياسي، عكس ذلك تماما هناك وعيٌ سياسي متزايد لدى الجزائريين بمفهوم المصلحة الوطنية، هناك نوعٌ من الشعور لدى الناس بالخطوط الحمراء التي ينبغي ألا يتجاوزها أحد. بل هناك قدرة على معرفة النقطة الحرجة التي ينبغي أن تتوقف عندها المنافسة السياسية أو الحزبية أو السعي إلى تحقيق مزيد من المصالح.
يبدو لي اليوم أن الكل أصبح يعلم من أين يبدأ وحيث ينبغي عليه التوقف، وهي نتيجة ليست بالهيّنة لمجتمع بصدد بناء دولته على أسس صحيحة.
يحتجّ الجزائريون، يخرجون إلى الشارع، يقطعون الطرقات، يرفضون “حڤرة” رؤساء البلديات أو أعضاء الحكومة، ولكنهم يعرفون السقف الذي يتحرّكون ضمنه، لا نتصور أبدا بأنهم مستعدون لتجاوزه مهما كانت الأسباب.
وهي مساحة الأمل التي تُبقينا باستمرار نثق في المستقبل رغم كل الصعوبات، بل وتُبقينا نعتقد أننا في آخر المطاف سنصنع النموذج السياسي الذي ينبغي أن يكون البديل، ليس لنا فحسب، بل لكل المنطقة.
لعلّ التجربة التونسية الأخيرة التي أصبحت اليوم محطّ الأنظار، وتبدو أنها قد قدّمت نموذجا فريدا من نوعه في مجال بناء الدولة الديمقراطية العصرية، ستبقى مرهونة ولفترة طويلة بتحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة نتيجة قلة الموارد وزيادة المتطلبات، وتأثيرات الخارج التي لا ترحم.
أما التجربة الجزائرية، فرغم التبديد الكبير لمداخيلها من المحروقات على مشاريع غير منتِجة، ورغم تلك السياسات الشعبوية التي اتبعت لاستمالة الناس، ورغم الفساد الذي ينخر جسدها على أكثر من مستوى، ورغم الفضائح المالية الكبيرة المسكوت عنها، فإن المواطن بها يبقى يشعر بأنه يستطيع أن يكون الأفضل على أكثر من صعيد، ويستطيع أن يبني دولة تكون بحق هي النموذج والمثال الذي يُقتدى به.
وذلك هو المكسب الكبير، لم ينتج فقط عن سنوات من التمحيص والشدة لم يعرفهما أحد، بل عن حقيقة إمكانات وقدرات بشرية ومادية علينا ألا نفرّط فيها، بل علينا أن نستثمر فيها لبناء الخيار السياسي الأفضل، وترشيد السلوك السياسي نحو القمة، وبناء الدولة العصرية التي بها نحلم.. ونحن أهلٌ لذلك، فتونس ليست أفضل منا بكل تأكيد.