-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل تَستعيد الجزائر عصر القمح من أوكرانيا؟

محمد سليم قلالة
  • 24388
  • 0
هل تَستعيد الجزائر عصر القمح من أوكرانيا؟

جاء في محاضرة للدكتور “عصمت تواتي” ألقاها في 24 جانفي 2014  بعنوان “الجزائر في قرن القمح 1725ـ 1815” أن البلد الذي خَلَفَ الجزائر في إمداد أوروبا بالقمح بعد سنة 1815 هو أوكرانيا (ابتداء من 1816).

هَيمَنَتْ الجزائر قرابة قرن على إنتاج القمح في منطقة البحر المتوسط وأغاثت البلدان الأوروبية في مجاعاتها بعد أن تسبّبت الحرب الروسية التركية (1768 ـ 1774) في منع وصول القمح من شرق القارة إلى غربها. لذلك -كما أشارت المحاضرة- سَمَّى الدكتور “لمنور مروش” هذه الحقبة بـ”قرن القمح” بالنسبة للجزائر.

وكأن التاريخ يستوقفنا اليوم: تكاد الحربُ الروسية الأوكرانية تمنع القمح عن كل العالم، وفي الوقت ذاته تطرح على الجزائر سؤالا كبيرا: متى تُحَلّ إشكالية إنتاج ما يكفيها من قمح على الأقل؟ بل لِمَ لا تستعيد عصر القمح من أوكرانيا وقد أخذته منها في بداية القرن التاسع عشر؟

لا شكّ أن استعادة قدرات الجزائر في مجال إنتاج القمح ليست بالأمر الهيِّن وقد كانت محلّ اهتمام من قبل السلطات الجزائرية أكثر من مرة، إلا أن جميع المحاولات التي تَمَّت في هذا المجال لم تحقق أهدافها، ومازالت بلادنا إلى حد الآن تستورد ثلاثة أرباع حاجاتها من ألمانيا وفرنسا وكندا وأضافت في المدة الأخيرة روسيا وغيرها من البلدان. بل إن حاجتنا إلى القمح أصبحت من أهمّ العوامل المؤثرة على أمننا القومي وعلينا عدم الاستهانة بها في ظل عالم متضارب المصالح ويعرف مخاطرَ وتهديداتٍ جَمَّة.

سبق لي أن تناولتُ هذا الموضوع في مقال مُطوَّل بجريدة الشروق بتاريخ 23 مارس 2017 وبعنوان “هل تنجح مشاريعُنا الفلاحية العملاقة مع الأمريكان بالجنوب؟”، استعرضتُ فيه تجارب الجزائر في مجال زراعة القمح في الجنوب الكبير بدءا من سنة 1983 (تجربة منطقة توات، قورارة، تيديكليت)، ثم تجربة المركّبات الفلاحية الغذائية في بداية الألفية الثالثة بأدرار، ثم تجربة المزارع الأمريكية النموذجية في 2017 التي تزيد مساحتها عن 20 ألف هكتار (البيض، أدرار، بشار، بسكرة، الوادي، تيميمون).. وخلصتُ إلى نتيجة تقول بالحرف: “علينا أن لا نُكرِّر الأخطاء ذاتها التي ارتكبها الآخرون في بلدانهم”، خاصة المملكة العربية السعودية وليبيا… أنفقوا أموالا باهظة على إنتاج القمح دون تحقيق الأهداف التي سطّروها. بقيت مصر أول مستورِد للقمح في العالم بـ12,1 مليون طن، تليها إندونيسيا بـ10,4، فتركيا بـ8,1، فالجزائر بـ7.7 مليون طن، ثم بنغلاديش، 7,2، نيجيريا 6.6، البرازيل 6.4،  الفلبين 6,1، اليابان بـ5,5 والمكسيك بـ4,7 مليون طن. بما يعني أنه من بين البلدان العشرة الأكثر استيرادا للقمح في العالم توجد 7 بلدان مسلمة، وعلى رأس القائمة.

وهذا يُحفِّزنا على التفكير أكثر في استعادة عصر القمح.

لقد قُمنا بتجارب عديدة، ولم يبق لخبرائنا إلا استخلاص الدروس، والانطلاق على أسُسٍ جديدة هذه المرة بالإرادة الصادقة والكفاءة اللازمة، ذلك أن أزمة أوكرانيا اليوم بَيَّنت أكثر خطورة التبعية للآخرين في مجال الغذاء.

لقد استفادت الجزائر في القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر من الصراعات الدائرة في أوروبا وخاصّة بين فرنسا وبريطانيا، وروسيا وتركيا، لتهيمن على إنتاج مادّة إستراتيجية مثل القمح. واليوم يبدو أن الصِّراع بين شرق أووربا وغربها سيطول وستكون له تداعياتٌ على الاقتصادات العالمية، خاصة في مجال الغذاء، وعلينا استباق الأمور، وعدم تكرار أخطاء الماضي في استعادة مكانتنا في إنتاج القمح، والاعتماد على خبرائنا المخلصين في هذا المجال، والثقة في قدراتهم وتمكينهم من كل الدعم المادي والمعنوي الذي يحتاجونه. وليكن شعارنا: العودة إلى عصر القمح الجزائري هو الأمل.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!