الرأي

هل ضُربت الذِّلة والمسكنة على المسلمين؟

حسين لقرع
  • 2105
  • 0

المعروف أن اليهود قد ضُربت عليهم الذلة والمسكنة جزاءً لهم عن لجاجتهم وكثرة عصيانهم ومخالفتهم أنبياءهم.. ولكن يبدو أن هذا الوصف يليق أيضاً بأمة المليار التي ترى قبلتها الأولى تُدنّس وتهان كل يوم، ولا تخرج حتى للتظاهر والاحتجاج، وذلك أضعفُ الإيمان.

 كان الأملُ كبيراً في أن يُغرق ملايين العرب والمسلمين الشوارع والساحات العامة، أمس، فور انقضاء صلاة الجمعة، للتظاهر وإظهار الغضب على ما يتعرّض له ثالث الحرمين وأولى القبلتين من جبروت صهيوني، وانتهاكات يومية للمقدسات، وقمع للمرابطين والمرابطات، بلغ إلى درجة ترخيص حكومة الاحتلال العنصرية لجيشها بإطلاق النار على المتظاهرين وتشكيل وحدة خاصّة بقنصهم، فضلاً عن فرض غرامات باهظة على عائلات الأطفال الذين يلقون حجارة على قوات الاحتلال ولو كانوا في الخامسة من أعمارهم.. لكن ما شاهدناه أمس من إحجام عن النزول، ولو على استحياء، إلى شوارع مختلف العواصم والمدن العربية والإسلامية، عدا الأردن وعدد قليل من العواصم والمدن، لا يشرّف أمة المليار التي أصبحت كثرةً لا خير فيها، تماماً كغثاء السيل.

ماذا يعني أن تعرِّض عشراتُ النساء المرابِطات أنفسهن لشتى الأخطار وهن يواجهن بشجاعة قوات الاحتلال من دون سلاح دفاعاً عن الأقصى، في حين يركن 1 .6 مليار مسلم إلى القيلولة بعد صلاة الجمعة عوض أن يقتطعوا من وقتهم ولو ساعة واحدة للتظاهر والتعبير عن تضامنهم مع الفلسطينيين؟

هو تضامنٌ “كلامي”.. نعرف هذا، وهذه المظاهرات لن تغيّر الوضع ولن تجبر الصهاينة على إيقاف انتهاكاتهم للأقصى وعزمهم على تقسيمه زمانيا ومكانيا بين المسلمين واليهود، هذا صحيحٌ أيضاً، ولكن كل ذلك لا يبرّر هذا التقاعس واللامبالاة بخطورة الوضع وبمعاناة المرابطين والمرابطات في الأقصى الشريف، عوض الشدّ على أيديهم والتأكيد لهم على أن قلوب المسلمين معهم اليوم وأسلحتهم ستكون معهم غداً.

أما ما يحزّ في النفس أكثر، فهو قيام “قلب العروبة النابض” بإغراق أنفاق غزة بمياه البحر المتوسط، في اليوم نفسه الذي كان فيه الفلسطينيون ينتظرون من أشقائهم الخروج في “جمعة الغضب” نصرة للأقصى، ومن نظامهم مراجعة موقفه وإنهاء شهر العسل مع الكيان الصهيوني.. هل يُعقل أن يتمّ إغراق ما تبقى من الأنفاق في “جمعة الغضب”؟ هل يمكن أن يكون هذا التزامن مجرد صدفة؟!

قد يكون العجزُ الرسمي عن نصرة الأقصى وفلسطين مفهوماً، وهو أمرٌ شائع منذ عقود ولم يعُد يفاجئ أحداً، ولكن ما معنى ضرب الفلسطينيين في هذا اليوم بالذات؟ لماذا لا يكفّ العربُ شرّهم عن “أشقائهم” إذا لم يستطيعوا دعمهم وشدّ إزرهم؟ بالأمس يتآمرون مع العدوّ على المقاومة في غزة في عزّ الحرب الجائرة عليها، واليوم يُغرِقون أنفاقَها وأهلُها منشغلون بالتظاهر احتجاجاً على تدنيس الأقصى.

إغراقُ ما بقي من أنفاق غزة في “جمعة الغضب” هو ضوءٌ أخضر غير مباشر للعدوّ لمواصلة تنفيذ مخططاته لتهويد القدس والأقصى من دون حرج؛ فالشغلُ الشاغل لأكبر بلدٍ عربي هو فقط كيفية إحكام الحصار على غزة بأي وسيلة وليس في أجندته همّ اسمه المسجد الأقصى، وباقي العرب والمسلمين لا يخرجون حتى في مظاهرة رمزية لنصرته، وليس هناك ظرفٌ أفضل من هذا لتنفيذ مخطط تقويض الأقصى وبناء الهيكل الثالث. 

مقالات ذات صلة