هل كان طه حسين ضد الثورة الجزائرية ؟

كان طه حسين (1889 – 1973) كبيرا في كل شيء، كبيرا في اجتهاده وفي أخطائه، كبيرا في رأسماله من الأصدقاء والخصوم. كان كبيرا في نجاحاته وكبيرا أيضا في نكساته، وكان أيضا كبيرا في مواجهة كل ذلك، كان كبيرا في الضجيج الذي خلفته كتبه النقدية كـ”في الشعر الجاهلي” أو “الفتنة الكبرى””أو “على هامش السيرة” أو كتبه الإبداعية كـ “الأيام” أو “دعاء الكروان”، وكبيرا في طرده من العمادة بالجامعة، ولكن أكبر من كل ذلك كله هو ذاك الصمت الكبير وغير المبرر الذي مارسه طه حسين تجاه الثورة الجزائرية، ثورة نوفمبر العظيمة.

• كتب طه حسين في كل شيء وعن كل شيء. كتب في الشعر والقصة والتاريخ والدين واللغة، كان بذلك شاعرا وروائيا وناقدا وعالم اجتماع ومؤرخا، كان على كل الجبهات حاضرا بسيفه إلا على جبهة الثورة الجزائرية كان طه حسين غائبا. لم يكتب حرفا واحدا عن أعظم ثورة عربية.
• لم يقرأ طه حسين من الأدب المغاربي، بلغتيه العربية والفرنسية، سوى روايتين؛ الأولى هي “الربوة المنسية” للجزائري مولود معمري والثانية “السد” للروائي التونسي محمود المسعدي. وقد كتب الدكتور طه حسين مقالا عن الأولى نشر في كتابه “نقد وإصلاح” حيث أشاد بالرواية واعتبرها من أهم ما كتب في لغة موليير في الخمسينات، وتساءل فيما إذا كانت هذه الرواية تكون قد حصلت على جائزة أدبية لأنها أفضل، حسب رأيه، من تلك التي يتم تكريمها. وإذا كان طه حسين قد أشاد بالرواية في بعدها الأدبي والاجتماعي إلا أنه لم يذهب بعيدا في تحليل الأسباب الكامنة خلف هذا الفقر والتخلف اللذين ينهكان كاهل ساكنة قرية تيسكا في بلاد القبائل وأعني بذلك الاستعمار الفرنسي الذي هو سبب معاناة فلاحي هذه القرية المعزولة التي هي نموذج تمثيلي لكل قرى الجزائر المُستَعْمَرة.
• ونتساءل لماذا لم يكتب طه حسين عن الثورة الجزائرية وهو الذي حين نعود لقراءة سيرته الذاتية من بابها السياسي سنجد أنه كان على علاقة وطيدة بالرئيس جمال عبد الناصر أحد قادة ثورة الضباط الأحرار في مصر، وأن عبد الناصر كان معجبا بكتابات وأفكار طه حسين، ومع ذلك هناك فرق شاسع بل ومتناقض بين أفكار ومواقف الأول والثاني حيال الثورة الجزائرية. فإذا كان جمال عبد الناصر من أكبر المناصرين والمؤيدين للثورة الجزائرية، بل وواحدا من جنودها، فقد ظل، في المقابل، طه حسين بعيدا عن الخوض في هذه الثورة التحريرية النموذجية في العالم الثالث.
• نستغرب موقفا متخاذلا وغامضا يصدر عن طه حسين حيال الثورة الجزائرية. وهو المثقف الذي ارتبط اسمه في جميع كتاباته وسجالاته وخصوماته بالدفاع عن الحرية الفكرية والسياسية وعن العدالة الاجتماعية وعن حقوق الإنسان. أليس طه حسين هو مترجم فولتير وكلاسيكيات الأدب اليوناني؟ أليس هو من خاض معارك من أجل إجبارية التعليم في مصر للذكور والإناث على حد سواء؟ أليس هو من قاد حملة ضد الفكر التقليدي المتحجر فكان من الأوائل الذين طالبوا بإعادة النظر في محتوى برامج التدريس بالأزهر بما يتماشى والعصر الذي يعيشه المسلم والعربي؟ فلماذا يسكت حين يتعلق الأمر بالثورة الجزائرية؟.
• لماذا لم يكتب طه حسين عن الثورة الجزائرية مع أنها كانت، ولمدة سبع سنوات، أعظم حدث عربي ومتوسطي شغل السياسيين والمثقفين والإعلاميين والمواطنين البسطاء على السواء؟
• أستغرب، مثلكم جميعا، إذ أجد كتّابا ومثقفين من العرب والفرنسيين، أقلّ شهرة وأقلّ رمزية من طه حسين ولكنهم شرفوا الثورة الجزائرية بكتاباتهم وبمواقفهم. من منا لا يذكر كتابات كل من: محمود عباس العقاد، عبد الرحمن الخميسي، عبد الرحمن الشرقاوي، صلاح عبد الصبور، أمل دنقل، عبد المعطي حجازي، نزار قباني، شوقي بغدادي، الجواهري، السياب، البياتي، جيلي عبد الرحمن، البردوني، الفيتوري وغيرهم؟ ومن منا لا يذكر ما سجله من مواقف مشرفة وما كتبه بعض المثقفين الفرنسيين ضد بلدهم المُستعمِر المعتدي من أمثال: سارتر، سيمون دو بوفوار، جونسون ومجموعته، جون دانيال، مايو، أنّا غريكي، فيرنان إيفتون، فرانتز فانون، الأب والكاتب برنغير وغيرهم؟ عشرات، مئات بل الآلاف من المثقفين والكتاب على اختلاف ألسنتهم ودياناتهم وألوانهم وجنسياتهم كَتبوا وأُعْدِمُوا وسُجِنوا وعُذِّبوا و هُجِّروا وقاوموا من أجل الثورة الجزائرية وقيمها التحريرية الإنسانية الخالدة، إلا عميد الأدب العربي طه حسين فقد تجاهل هذه الثورة التي كان يصفها في بعض أحاديثه الخاصة الضيقة، حسب ما رواه لي بعض الشيوخ الذين حضروا مثل هذه الجلسات، كان ينعتها بـ”أحداث الجزائر” ولم يستعمل مطلقا كلمة “ثورة” لوصف نضال الشعب الجزائري العظيم.
• كيف يمكن لمثقف مثل عباس العقاد الذي عرف بالفكر المحافظ، أن يكتب في الأسبوع الثاني لانطلاق ثورة نوفمبر 54 ما يلي: “للفرنسيين مستقبل واحد في الجزائر طال بهم الزمن أم قصر. مستقبلهم أن يعيشوا فيها جزائريين أو يرحلوا عنها مطرودين.” وفي المقابل يسكت طه حسين المحسوب على الفكر التنويري التثويري عما يحدث في الجزائر من ثورة. وقد تناقلت ذلك جميع الصحف الفرنسية (التي كان يصر طه حسين على قراءتها) والصحف المصرية والعربية وكذا الإذاعات المختلفة؟.
• مذكرات د. أحمد طالب الإبراهيمي شهادة على صمت طه حسين:
•  كتب الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي في الجزء الثاني من مذكراته التي تعد وثيقة هامة في رسم معالم المجتمع الجزائري اجتماعيا وسياسيا وفكريا وثقافيا على مدى أزيد من نصف قرن من تاريخ الجزائر، مذكرات كتبت بلغة هادئة ودون تصفية حسابات شخصية، مذكرات ترفعت عن القدح أو الشتم، فجاءت في شكل نص أدبي يقرأ بمتعة، في هذه المذكرات يتحدث الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي عن لقاء جمعه بالدكتور طه حسين الذي كان على علاقة طيبة بل وصداقة عميقة بوالده الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، وفي هذا اللقاء الذي كان باللغة الفرنسية بطلب من طه حسين وبحضور زوجته الفرنسية سوزان، تحدث فيه الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي عن المجازر التي مارسها الاستعمار الفرنسي ضد الشعب الجزائري سنوات حرب التحرير، وكان طه حسين مندهشا وهو يستمع إلى ما يرويه د. طالب الإبراهيمي مما عاناه الشعب الجزائري وكأن عميد الأدب العربي قد سقط اللحظة من سماء غير سماء مصر التي كانت كلها بقيادتها السياسية وبشعبها مع الثورة الجزائرية، يكتب الدكتور طالب الإبراهيمي في مذكراته معلقا وواصفا حال طه حسين وهو يستمع إليه:”
• “Il m’écoutait et m’interrompait de temps à autre: ce n’est pas possible! Ce n’est pas possible”.   
• “كان يستمع إلي ويقاطعني بين الحين والآخر قائلا: هذا غير ممكن ! هذا غير ممكن.”
• كيف يمكن تصديق كاتب بحجم طه حسين كان على علاقة وطيدة بالرئيس جمال عبد الناصر وبالشيخ البشير الإبراهيمي رئيس جمعية العلماء المسلمين، كيف يمكننا تصديق جهله بما عاشته الجزائر وما عاناه شعبها من مجازر قادها أشهر السفاحين من أمثال يبجار وبيجو وماسو وبابون وغيرهم؟ هذا من عجائب وغرائب سلوك المثقفين العرب.
• كيف يمكن تصور مثقف مثل طه حسين على علاقة مباشرة ويومية بما يحدث في فرنسا ثقافيا وسياسيا ولا يكون مطلعا على مجازر جيش فرنسا الاستعمارية في الجزائر؟ هذا فصل من فصول العلاقة المشبوهة والتي ترسم تبعية المثقف العربي للغرب.
•  
• من سوزان طه حسين إلى سوزان مبارك!
• الذين عرفوا العلاقة التي كانت تجمع طه حسين بزوجته سوزان الفرنسية يقولون إن هذه الأخيرة كانت ذات تأثير سلبي كبير على بعض المواقف السياسية والأيديولوجية التي اتخذها زوجها، وأنا لا أستبعد أن تكون سوزان هي من كان وراء الموقف المتخاذل والجبان لطه حسين تجاه الثورة الجزائرية، فتأثيرها عليه من موقع انتمائها هو الذي أسكت طه حسين وجعل التاريخ يحاسبه اليوم. فإذا كانت حظ الثورة الجزائرية هو سوزان طه حسين في الخمسينيات فإن حظ مصر الألفين هو سوزان مبارك؟
• هل يمكن لمثقفي جزائر اليوم، وبلادنا تستعد للاحتفال بالذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر، هل يمكن لهم أن يسامحوا طه حسين على صمته المتآمر ضد الثورة الجزائرية وهو الذي، مع ذلك، منحته جامعة الجزائر شهادة الدكتوراه الفخرية العام 1964؟