الرأي

هل كورونا من جند الله؟

عبد الحميد عثماني
  • 16756
  • 16
ح.م

ها هي البشرية برمّتها، بعالمها المتقدم والمتخلف على السواء، تقف مدهوشة ومذعورة أمام فيروس لا مرئي، باغتها فقلب حياة الشعوب رأسًا على عقب، إذ حوّل أمْنها خوفا وهلعًا، وتساوى حالها في ذلك مع المقهورين منذ سنين تحت نيران الحروب المدمرة، كيف لا وقد أعلن زعماء القوى الكبرى مواجهة بلادهم لحرب جديدة من جيل مختلف، لم يعرفوه من قبل إلا عبر الأفلام السينمائية الخياليّة.

إنّ ثقاتنا الدينية القرآنية الأصيلة كمؤمنين، وإن سلّمنا بالأبعاد الطبيّة والصحيّة لأزمة كورونا اليوم، فإنّ القضية لا تخلو عندنا من البُعد الغيبي مصداقا لقوله تعالى “وما يعلم جنود ربّك إلا هو”، فلعلّ تلك الكائنات المجهريّة الهوائية مثل البكتيريا والفيروسات من جنود الله، فتكون هذه المحنة الشديدة تنبيها ربّانيا لأهل الإيمان أولا، ثم للإنسانية

قاطبة، والتي فقدت جوهرها الآدمي الفطري في ظل الحداثة المادية التي وفرت لها كل أسباب الرفاهية المدنية من صناعات وتكنولوجيا ورقمنة وسواها، غير أنها انحرفت كثيرا عن علّة وجودها في الاستخلاف الأرضي، بل إنها أحيانا تحدّت إرادة خالقها بالتعدّي على قوانين كونيّة تنظم حياة الناس في طابعها الفطري البسيط.

إنّ هذا التذكير الإيماني من صميم الفكر الإسلامي السليم، بعيدا عن لغة التشفي أو إدعاء العقاب الإلهي ضد مجتمع ما، ونحن جميعنا كإنسانية نعيش اليوم نفس المصير في مواجهة بلاء كونيّ، بل إن محنة المسلمين أشدّ وأنكى، بسبب تواضع إمكانات التكفل الصحي في بلدانهم.

مع ذلك نقول إن الأخذ بأسباب الوقاية على أعلى مستوى، والاحتياط لكلّ السيناريوهات الصحيّة والاجتماعية يعدّ واجبًا شرعيّا في حق النفس، وفي حق المجتمع، ولسنا مخيَّرين كأفراد في هذا الأمر، مهما كانت قسوة الإجراءات الإدارية والعمومية، لأنّ حفظ النفس البشرية يأتي على رأس المقاصد الأساسية التي جاءت الشريعة السمحاء لصيانتها

قبل الدين والعقل والمال والنسل، إذ لا يقوم واجبٌ آخر بتعريضها للتهلكة.

هذا لا يعني أن نقضي حياتنا في هلع جنونيّ، فنزيد من معاناة الشعب ونرفع من معدّل الارتباك العام، بل ينبغي أن نعيشها في حذر وتسليم بالقضاء والقدر، فلن يصيبنا في النهاية إلا ما كتب الله لنا، ولن ينال من أوضاعنا إلا ما قدّره لنا، فلا نحزن ولا نجزع، بل نواجه هذه المحنة العابرة بثبات المؤمن مهما اشتدّت تداعياتُها، لأنها حتمًا ستنجلي قريبا وتصبح ذكرياتٍ مؤلمة من الماضي.

قد يسخر البعض من هكذا وعظ، بينما تتخبَّط البشرية في هرج ومرج كأنّ أشراط الساعة لاحت في الأفق، وذلك عندنا من دواعي استحضار الخطاب الإيماني لطمأنة المجتمع المسلم، وتقوية المناعة المعنوية والنفسية لعبور الأزمة بسلام.

بالمقابل، فإنّ المطلوب هو إحياء قيم التكافل والتضامن والتآزر بين أفراد المجتمع للإستقواء الجماعي ضدَّ نازلة كورونا، عوض الجشع وطغيان الأنا الفردي واستغلال حاجة الناس إلى وسائل الوقاية والمؤونة الغذائية، فليس ذلك من أخلاق الإسلام ولا مُثل الإنسانية في شيء، فضلا عن أنّ

الوضع ليس بتلك السوداويّة التي يثيرها التدافع المحموم على الفضاءات التجاريّة.

أما على الصعيد السياسي، فإن اللحظة التاريخية الحرجة هي للتلاحم الوطني في أقوى صوره وبكل أشكاله، لأنّ الخطر يُهدد سلامة الجزائريين دون استثناء، ولا ينفع معه التراجُم بين السلطة والمعارضة أو التراشق بين السلطات والحَراك، ولا تغني فيه المزايدة السياسية على مؤسسات الدولة، كما لا ينفعنا التباكي على الأطلال وسبّ العصابة في الوقت بدل الضائع، بل سيكون من “خوارم المروءة السياسية” المحاولات العبثية لتسجيل النقاط ضدّ الرئيس أو الحكومة والوزارات المعنية، وهم يحملون على عاتقهم في ظرف عصيب عبئا وطنيّا ثقيلا تنوء بحمله الدولُ العظمى.

إنّ الواجب المرحلي يقتضي وقوف الجزائريين صفا واحدا، مثلما عهدهم التاريخ في منعرجاته الحاسمة، لمجابهة المحنة بأخف الأضرار، إذ يتوجَّب عليهم الاصطفافُ السياسي الوطني بعيدا عن الألوان والمواقع والمواقف، ويستلزم منهم التكاتف المجتمعي ضدّ الأثرة والفردانية.

مقالات ذات صلة