الرأي

هل للنظام مرشّح..؟

ح.م

مع انطلاق قطار الترشيحات نحو السباق الرئاسي، تسارعت الأصوات العشوائية والتكهُّنات الارتجالية، دون الاستناد إلى تحليلات موضوعية ومؤسسة على قواعد القراءة السياسية السليمة، بل منافية حتى لأعراف اللعبة الجزائرية المتعارف عليها منذ عقود.

المرجح بمنطق السياسة ومؤشرات الواقع، أنّ ملامح الانتخابات الرئاسية لم تظهر بعدُ، وكل ما يُتداول عن مرشحين باسم السلطة، لا يعدو أن يكون ضربًا لخط الرمل على طريقة الأزلام، أو هي تخمينات سطحية جاهزة، أساسها تفكيرٌ قديم ونمطي، يتلقّف إشارات خاطئة ثم يسقطها ويقرؤها بطريقة خاطئة.

وبنظرة أوليّة، لا نعتقد أنّ المرشحين حتى الآن، ودون استثناء، يحملون دلائل الدعم الفوقي، بل إنّ المتفرّس في رمزيّة ظهورهم، والمتأمل في تشكيلة محيطهم، والمتمعن في ردود أفعالهم تجاه ما يصدر ضدّهم، سيقتنع بأنهم مجرّد طامحين في قصر المرادية لا أكثر، وذلك ليس بالأمر المعيب، بل هو حق مشروع، والكلمة الفصل تعود إلى الشعب دون غيره.

 نعتقد في رؤيتنا المتواضعة، أن النظام لا يزال على مسافة واحدة من الجميع، وحتى لو افترضنا أنه سيلجأ إلى دفع خيار محدد بطريقة ما، فلن يتدخل في بداية المعترك، بل سيتركها لعبة مفتوحة مؤقتا، بين فرسان يحظون بالرضا، والرابح منهم سيكون مسنودا شعبيا ومدعوما من مؤسسات الدولة، وهذا الوضع يغري البعض بتجريب لعبة الحظّ، كما يدفع آخرين إلى استعراض قابليتهم الشعبيّة وأهليّتهم للمنافسة، لأجل عرض خدمة في سدّ منصب الرئاسة، لكن ذلك يُحسب لهم أو عليهم، ولا يدين النظام على الأقل في الوقت الحالي!

مقابل ذلك، لا يظهر في الأفق أيّ مرشح قوي مصادم لتوجّهات السلطة العليا، وهذا ما يجعلها في راحة من أمرها أصلاً، ولا نظن أنّ الشعب يقبل بمثل هذه المراهنة، لأنه واعٍ بحساسية المرحلة، وتلك حجّة أخرى تدحض توقّعات المروِّجين لمرشح على المقاس.

 هذه قناعتنا إلى أن يثبت عندنا العكس، والثبوت يكون بالضغط على وسائل الإعلام، وصدور الإملاءات إلى أعوان الإدارات في كل المستويات، ثمّ الإيعاز إلى رجال المال وأصحاب المصالح بالتحيُّز لمرشح ما، وقتها يتأكد انحراف الانتخابات وفسادُها بمخادعة الشعب، لكن هذه فرضيّة جائرة وفق قاعدة “السلطة مُدانة حتى تثبت براءتُها”، فلا نستبق الأحداث ببثّ اليأس في النفوس قبل الأوان، بل المطلوب هو العمل الجادّ لإيجاد مرشح يستجيب لتطلعات الحَراك والاصطفاف وراءه.

ما قلناه لا يعني أبدا أنّنا نجزم بالشفافية المطلقة للانتخابات، أو نتنبّأ بأنها ستكون في منأى عن التزوير، بل نحن نقرأ الواقع وفق الوقائع القائمة حاليا من دون أحكام مسبقة أو اتهامات جاهزة لأي طرف، وذلك ما يفنّد حتى الآن وجود مرشح محظوظ على حساب الآخرين، وإن تطورت مجريات الاستحقاق في الاتجاه السلبي، سيكون حينها لكل حدث حديث.

وهنا نُنبِّه سلفًا إلى تلك الانتقادات الواسعة، أو بالأحرى الإشاعات، التي تطلقها مؤخرا أحزابٌ وشخصيات مشارِكة في موعد 12 ديسمبر، بخصوص تسلُّل فلول العصابات المحلية، من أذناب التزوير ومتحزبّين، إلى مندوبيات ولجان “السلطة المستقلة للانتخابات” بالولايات، فضلاً عن تدخل الولاة والأمناء العامين للبلديات في تعيينهم، لأنّ ذلك منافٍ للقانون الجديد الذي يشترط على الأعضاء عدم الانتماء الحزبي خلال خمس السنوات الأخيرة على الأقل، والأخطر أنّ تلك المعلومات الصادمة مؤشرٌ غير مُطمْئِن فعلاً، بل نذير شؤم على مصداقية الانتخابات.

وعليه، وجب على المترشحين تنوير الرأي العام بأسماء هؤلاء المشبوهين فردا فردًا، بدل إطلاق الكلام الجزاف، وحينها تقتضي المسؤولية القانونية والأخلاقية من هيئة محمد شرفي التحرُّك فورا، للدفاع عن سيادتها العليا وتبرئة ساحتها من الخيانة المسبقة لأمانة صيانة الإرادة الحرة للشعب الجزائري.

مقالات ذات صلة