الرأي

هل مازالت هناك ديمقراطية؟

محمد سليم قلالة
  • 621
  • 7
ح.م

يتصور بعض المُنشَغلين بالحقل السياسي اليوم أن الديمقراطية قد بلغت مرحلة من التقدم فاقت بدايتها الأولى في القرن الثامن عشر أو ما يُعرَف بعصر التنوير عند الأوروبيين، سواء تعلق الأمر بالفصل بين السلطات أو السيادة الشعبية، أو مكانة الدستور، أو ممارسة الحق في الانتخاب أو غيرها من الحقوق، في حين أن العكس هو الصحيح…

الديمقراطية اليوم تقهقرت عَمَّا كانت عليه قبل ثلاثة قرون، بل وانقلبت على مبادئها الأساسية في عقر دارها، وإن أبْقَت على الشكل يحاول تبريرَ وجودها. لم يعد بالإمكان في واقع الأمر تحقيق فصل حقيقي بين السلطات إلا من حيث الشكل، ولا سيادة شعبية حقيقية، ولا حرية تعبير بمعنى الكلمة ولا تمكين الناس من مختلف الحقوق…

لقد أصبحت هناك سلطة خفية تُحرِّك العمل السياسي والباقي شبه ديكور مُفَصَّلٍ على المقاس، الدساتير، القوانين، السياسات، الحريات… لا أظن أن عبارة “مونتسكيو” الشهيرة بأن “السلطة توقف السلطة” أصبح اليوم لها نفس المعنى. حقيقة السلطة توقف السلطة ولكن من قبل من يملك المال والإعلام ومن يتحكم في سلوك الناس من حيث لا يشعرون… وليس من قبل إحدى السلطات الثلاث: التشريعية التنفيذية القضائية.

في أعرق الديمقراطيات الحديثة اليوم، هناك حديث عن وهم الديمقراطية.

في فرنسا كتب “خوان برونكو” مؤلفا بعنوان “الغسق” Crépuscule أو كيف تَحكُم الأوليغارشيا الفرنسية نظام الرئيس ماكرون، وبيَّن بالأسماء هؤلاء ومصادر أموالهم وشبكاتهم خارج جميع السلطات الدستورية أو الأحزاب والطبقة السياسية… مُستنتجا أن الديمقراطية في هذا البلد وهم من الأوهام.

وفي أمريكا لاحظنا كيف أن قوة اللوبيهات المالية تضع مَن تشاء في الحكم، ويتم في آخر المطاف إخراج ذلك وكأنه لعبة ديمقراطية.. وما قصة “بايدن” و”ترامب” والتزوير ببعيدة عَنَّا…

لذلك ليس من السهل علينا اليوم الحديث عن الديمقراطية في بلداننا بمصطلحات بدايتها الأولى. بل علينا أن نتساءل ما إذا كُنا بالفعل نستطيع إقامة مثل هذا النظام اليوم، وقد عجزت عن ذلك البلاد التي أنشأته؟ وهل نستطيع التخلص من هيمنة القوى التي تحكم العالم ماليا وإعلاميا وسياسيا، لنقيمه؟ وكيف؟

يبدو لي أن السؤال المطروح اليوم ليس هل نقيم نظاما ديمقراطيا أم لا؟ إنما هل يوجد في العالم نظام ديمقراطي كما كان يتصور آباء الديمقراطية (جون لوك، جيمس هارينتون، جون جاك روسو… الخ)، لكي نقيمه؟ وهل يُمكن اعتبار ما نسميه ديمقراطيات عريقة اليوم حقولا إرشادية (أنموذجية) لنا وقد أصبحنا نعرف ما تعانيه من هيمنة القوى الخفية؟ وما الذي علينا طرحه كفكر سياسي لنظام غير استبدادي نَتطلع إليه؟ ومن يقوم بذلك؟ هل تراثنا السياسي كاف لتحديد ملامح نظام جديد؟ أم أننا نسير باتجاه حلٍّ نعرف مسبقا أنه بدأ يتلاشى ويدخل مرحلة الغسق عند أصحابه؟

لعلها اسئلة جوهرية ينبغي أن نطرحها اليوم، وبعضنا يعتبر أنه بالإمكان بناء نظام ديمقراطي على النموذج الغربي، بل مِنّا مَن يعتبر ذلك حلما بعيد المنال.. أليس من واجبنا أن نقارب هذا الموضوع بواقعية أكبر حتى نستبق الأمور ولا نُصاب بخيبة أمل ديمقراطية أخرى؟

مقالات ذات صلة