الرأي

هل نحن أمة؟

لأخينا الدكتور أحمد ابن نعمان كتاب اختار له عنوانا لافتا للأنظار، مثيرا للأفكار، وهذا العنوان هو “هل نحن أمة؟”

ولو لم نكن على معرفة طويلة بالرجل وأفكاره، وآرائه، وجهاده لشككنا في انتمائه إلى الإسلام، إذ كيف يتأتّى لمسلم أن يتساءل عن أمر قضى به الله، وأوجبه على من اختار السير في طريق الإسلام، وأن ينتسب عن بينة إليه.. ولكن الأمر الذي جعل أخانا أحمد ابن نعمان يتساءل هذا التساؤل هو مدى تحقيقنا – نحن المسلمين – لفكرة “الأمة” – التي يؤكد العالم السويسري مارسيل بوازار في كتابه “إنسانية الإسلام” أنها “خاصة بالإسلام، لأنها تتعلق بجمع من المؤمنين، يشهدون شهادة مرتكزة بشكل حصري على كلام الله الخالد، الذي لا يتحول، ولا يتبدل، ألا وهو القرآن”. (ص 145). و”ليس لفكرة “الأمة” الإسلامية مقابل في فكر الغرب ولا في تجربته التاريخية”. (182)

إن الدكتور أحمد ابن نعمان – وما شهدنا إلا بما علمنا – لا يجادل في الله- عياذا به- كأولئك الشيوعيين الذين هم أضل من الأنعام، وهو لا يجادل فيما قضى الله من أوامر ونواه، كأولئك اللائكيين الذين يقولون في الإسلام بأفواههم قولا جميلا، وينكرونه بأفعالهم وقوانينهم، فيحلون ما حرّم الله، كالخمر، والميسر، والربا، والزنا، والفواحش ما ظهر منها وما بطن… ويُحرّمون ما أحل الله، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا؛ ولكن تساؤله يحمل معنى استنكاريا، وهو ما يتضمنه معنى الآية الكريمة: “يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون؟ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون”. أو معنى الآية الكريمة الأخرى: “يا أيها الذين آمنوا آمنوا”، فلو كنا مؤمنين حقا لما أمرنا بالإيمان بعدما زعمنا أننا مؤمنون، ولهذا جاء في آية كريمة من القرآن الكريم تشنيع على من “يزعمون” الإيمان، ولكن يحكمون “الطاغوت” في قضاياهم وما يشجر بينهم. الأصل في الأمة في الإسلام هوالانسجام، والاتفاق على ملة واحدة، (عقيدة، عبادة، معاملات، أخلاقا)، ويصل هذا الانسجام إلى درجة الأخوة، حيث جاء في القرآن الكريم أن هذه الأمة واحدة، وأن أفرادها “إخوة”. وقد لاحظ الذين يتدبرون القرآن الكريم أن الله – عز وجل- استعمل  لفظ “الإخوة” ولم يستعمل لفظ “الإخوان”، فاللفظ الأول أقوى في الدلالة على الأخوة من اللفظ الثاني، لأن اللفظ “إخوة” يستعمل لأبناء أب واحد: “وجاء إخوة يوسف”، “فإن كان له إخوة…”

إن هذا المعنى النبيل للأمة، الموجود في القرآن الكريم وفي سنة خير الخلق – عليه الصلاة والسلام – المفقود في واقعنا يدفعنا – والألم يعصر قلوبنا- إلى أن نتساءل مع أخينا ابن نعمان: هل نحن أمة؟

إن ما نراه بأعيننا ونلمسه بأيدينا يؤكد أننا تردّينا إلى الدرك الأسفل، وأننا لم نعد – في أكثرنا – أهلا لأن نعدّ من عالم الآدمية، أو أن نصنّف مع الإنسانية، فضلا عن أن نتطلع إلى أن نكون “أمة إسلامية”، التي جعلها الله – عز وجل “خير أمة أخرجت للناس”.

إن هذا التردي الشنيع يشمل “المسلمين” من المحيط إلى المحيط، ويشمل “المسلمين” في كل قطر.. وفي كل مدينة، وفي كل قرية، وفي كل حي.. حتى إن المرء ليقسم بأغلظ الإيمان وتوكيدها أنه لا وجود لـ “إسلام الأفعال” في بيوتنا وحياتنا عامة؛ وإنما هو “إسلام الأشكال”. لقد خاطب أمير الشعراء أحمد شوقي رسول الله – عليه الصلاة والسلام – مخبرا له بحال أمته، ومستفسرا عن وجودها في حالك الظلمات، وهي التي تملك النور المبين فقال:

شعوبك في شرق البلاد وغربها       كأصحاب كهف في عميق سبات

بأَيمانهم نوران: ذكر وسنّة              فما بالهم في حالك الظلمات؟

لقد وصل الأمر إلى أن يستعدي “المسلمون” الكفار على إخوانهم “المسلمين”؛ بل لقد صرنا – نحن “المسلمين” “كفارا” يضرب بعضنا رقاب بعض، سواء كنا – كما قال الإمام ابن باديس- “من أصحاب البرانيس أم من أصحاب البرانيط”. وعودٌ على بدء: فهل نحن أمة؟ وهل نحن مسلمون؟

مقالات ذات صلة