-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل هناك خصائص مميزة للذهنية الإسلامية المبدعة!؟

حمزة يدوغي
  • 1156
  • 0
هل هناك خصائص مميزة للذهنية الإسلامية المبدعة!؟

أذكر أنه في‮ ‬سنة‮ ‬1984‮ ‬أنشئ معهد للعلوم الإسلامية ملحق بجامعة فرانكفورت بألمانيا،‮ ‬مهمته إبراز جهود المسلمين الأولين في‮ ‬مجال العلوم التجريبية والكونية،‮ ‬وسبقهم في‮ ‬الكثير منها،‮ ‬وكانت الجزائر من البلدان التي‮ ‬بادرت بالمساهمة المادية في‮ ‬إنشائه،‮ ‬فدعي‮ ‬إلى‭ ‬تمثيلها في‮ ‬حفل تدشينه وزير الشؤون الدينية آنئذ المرحوم فضيلة الأستاذ الشيخ عبد الرحمن شيبان طيب الله ثراه‮…‬

ومن ذلك التاريخ لا أسمع بملتقى علمي‮ ‬ينظم في‮ ‬بلد عربي‮ ‬أو إسلامي‮ ‬ليستعرض ما قدمه المسلمون الأولون في‮ ‬مجال العلوم التجريبية والكونية وسبقهم فيها،‮ ‬إلا وتردد في‮ ‬ذهني‮ ‬هذا التساؤل‮: ‬ما هي‮ ‬النتيجة العملية المرجوة من تنظيم مثل هذا الملتقى؟ وهل‮ ‬يستجيب لمنطق الأولويات الملحّة التي‮ ‬يمليها واقع المجتمعات الإسلامية اليوم بكل ما‮ ‬يعانيه من مشكلات التخلف وضغوط العولمة هل هو‮ “‬مجرد نزف فكري‮”‬؟ أم أنه نوع من الهروب من هذا الواقع البئيس؟‮!‬

هل القصد منه هو إبراز‮ “‬الإضافة الكمية‮” ‬التي‮ ‬قدمتها الحضارة الإسلامية في‮ ‬مجال العلوم الطبيعية والتجريبية مما‮ ‬يدخل في‮ ‬باب تاريخ العلوم؟ أم هو نوع من الحنين إلى ماض زاهر مجيد كتعويض عن الفقر العلمي‮ ‬الراهن؟ إن حقيقة تفوق المسلمين قديما في‮ ‬مختلف العلوم،‮ ‬وفضل الحضارة الإسلامية على‭ ‬النهضة الأوروبية خصوصا وعلى المدنية عموما قد حظيت‮ – ‬كما نعلم جميعا‮ – ‬بقدر كبير من الاهتمام،‮ ‬ليس من قبل المسلمين وحدهم بل من قبل‮ ‬غيرهم من المستشرقين،‮ ‬على‭ ‬تفاوتهم في‮ ‬درجة إخلاصهم للحقيقة وللتاريخ،‮ ‬فقد وضعت في‮ ‬هذا المجال مؤلفات ودراسات وأبحاث،‮ ‬وتوّجت هذه الجهود كلها بإنشاء هذا المعهد الملحق بجامعة فرنكفورت لينبري‮ ‬لهذه المهمة التاريخية البحتة‮.‬

إذن فإن الاطلاع على‭ ‬الجانب‮ “‬الكمي‮” ‬أو على‭ ‬المنجزات التي‮ ‬حققها المسلمون الأولون في‮ ‬هذا المجال أمر ميسور،‮ ‬لكن الذي‮ ‬لم‮ ‬يحظ‮ – ‬بعد‮ – ‬بما‮ ‬يستأهله من اهتمام الباحثين والدارسين المختصين،‮ ‬والذي‮ ‬كان من اللازم التركيز عليه وتخصيص ندوات وملتقيات لبحثه ودراسته هو بيان خصائص الذهنية الإسلامية المبدعة،‮ ‬وإبراز أسس تفاعلها مع الكون والطبيعة،‮ ‬وبيان النسق العام المتميز الذي‮ ‬تنتظم فيه هذه الأسس،‮ ‬والذي‮ ‬أثمر فلسفة خاصة في‮ ‬مجال العلوم الطبيعية والتجريبية‮.‬

هذا النسق‮ ‬ينطلق من قاعدة كلية هي‮ ‬أن الإنسان سيّد في‮ ‬الكون عبد لله سبحانه،‮ ‬ومعنى ذلك انعدام وجود أي‮ ‬منافس للإنسان في‮ ‬المحيط المادي‮ ‬العام الذي‮ ‬سخر له،‮ ‬أي‮ ‬الكون،‮ ‬وهذه السيادة‮ ‬يحققها بالعقل الذي‮ ‬يعمل في‮ ‬مجال اختصاصه،‮ ‬أي‮ ‬عالم الشهادة‮ “‬المادة‮” ‬عن طريق العلم الذي‮ ‬يؤدي‮ ‬وظيفتين‮: ‬الأولى هي‮ ‬تحقيق معنى‭ ‬الاستخلاف وذلك باكتشاف أسرار المادة للتحكم في‮ ‬قوانينها تحقيقا للقوة والمناعة والريادة،‮ ‬والثانية هي‮ ‬تعميق الإيمان بالله سبحانه بالنظر في‮ ‬دقة صنعه وسننه الماضية في‮ ‬خلقه‮ “‬إنما‮ ‬يخشى الله من عباده العلماء‮”.‬

وهذا‮ ‬يشير إلى‭ ‬حقيقة كلية أخرى وفق هذا النسق وهي‮ ‬أنه لا مصدر للقانون إلا القانون ذاته،‮ ‬وأنه لا‮ ‬يمكن أن‮ “‬يخرق‮” ‬هذا القانون أو‮ ‬يعطله إلا الذي‮ ‬خلقه سبحانه‮..‬فما‮ ‬يسمى‮ “‬القوانين الطبيعية‮” ‬هي‮ ‬سنن الله الماضية في‮ ‬كونه وخلقه،‮ ‬لن تجد لسنة الله تبديلا أو تحويلا‮. ‬ولذلك قيل ـ بحق ـ علماء الكون والطبيعة مدينون باكتشافاتهم العلمية لمقولة‮ “‬لا إله إلا الله‮” ‬لأنها هي‮ ‬التي‮ ‬حررت عقولهم من التفكير الخرافي‮ ‬والمنهاج الأسطوري‮ ‬وعرفتهم بالمنهاج التجريبي‮. ‬

إن اهتزاز هذا النسق العام الموحد هو سبب تعثر الحضارات التي‮ ‬قطعت صلتها بالوحي‮ ‬فأصبحت عاجزة عن تجاوز‮ “‬ثنائيات‮” ‬عالم الغيب وعالم الشهادة،‮ ‬الزمني‮ ‬والروحي،‮ ‬الوسائل والغايات،‮ ‬كيف نعيش ولمن نعيش؟‮!‬

هذه‮ “‬الثنائيات‮” ‬لم تعرفها ولم تعانها الحضارة الإسلامية لأنها قامت على‭ ‬أساس من ذلك النسق القرآني‮ ‬العام القائم على التعدد والتميز والتجدد في‮ ‬إطار الوحدة،‮ ‬فالله سبحانه واحد والكون واحد،‮ ‬والإنسان واحد،‮ ‬والدين واحد،‮ ‬فالقرآن كون ناطق والكون قرآن صامت،‮ ‬الكون صنعه سبحانه والدين وحيه،‮ ‬فلا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يعارض وحيه صنعه،‮ ‬والآية ـ كما هو معروف ـ تطلق على‭ ‬الجملة القرآنية وعلى‭ ‬الظاهرة الكونية والطبيعية

فهناك إذن ما هو من شأن الخالق وحده سبحانه،‮ ‬مما لا‮ ‬يستطيع فكر البشر أن‮ ‬يهتدي‮ ‬إليه وينهض به،‮ ‬لقد أرسل الله سبحانه نبيا أميا وسط حضارتي‮ ‬الفرس والروم ليعلم البشرية أنها لا تستطيع أن تستغني‮ ‬عن الوحي،‮ ‬وأن عقل الإنسان مهما ترتقي‮ ‬مداركه لا‮ ‬يستطيع وحده أن‮ ‬يدرك ويعرف معنى الوجود والعلة من الخلق ومصير الإنسان بعد الموت‮..‬

عالم الغيب حق نهتدي‮ ‬إليه من خلال عالم الشهادة فالأول دليل للثاني،‮ ‬لا طغيان لأحدهما على الآخر ولا تناقض بينهما‮.. ‬والقرآن الكريم قد خص كلا منهما بوسائل معرفية مميزة،‮ ‬فعالم الشهادة بدرك بالعقل والحواس،‮ ‬وأما عالم الغيب فيستقل بأخباره الوحي‮ ‬ويقوم أصلا على الإيمان لا على المعاينة‮ “‬الذين‮ ‬يؤمنون بالغيب‮”. ‬

إن هذه الفلسفة المتميزة في‮ ‬العلوم التي‮ ‬انبنى عليها هذا النسق القرآني‮ ‬العام هي‮ ‬الإضافة الكبرى التي‮ ‬قدمتها الحضارة الإسلامية للإنسانية،‮ ‬وهي‮ ‬التي‮ ‬ينبغي‮ ‬إبرازها وإحكام صلتنا بها من جديد وتشكيل ذهنية الجيل الناشئ وفق خصائصها المميزة وجعلها أساسا لفلسفتنا التربوية والتعليمية‮. ‬

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • مواطن

    تمنيت عندما بدأت تلاوة المقال أن نبتعد لحظة عن التاريخ وعلم الكلام الذين كان ضروريا عند بناء الحضارة الإسلامية الفتية.لكن اليوم ونحن في عصر الذرة والصناعة المجهرية التي نحن غائبون عن امتلاكها لماذا لا نبرز القليل من مبدعينا المعاصرين وهم كذلك ينتمون إلى عالمنا الإسلامي مهما حكمنا عليهم بالابتعاد عن حياتنا المتحجرة عوض أن نساهم في تخدير عقولنا النائمة بإنجازات كانت مبهرة في وقتها لكن اليوم طويت في حكايات لا تسمن ولا تغني من جوع.لا يجب أن تبقى حضارتنا مالئة المتاحف لنتغذى منها مطمئنين ونسد الباب.

  • لا يهم

    الذهنية الاسلامية المبدعة ؟؟؟؟ أظن أن العنوان يحمل تناقضات .
    الذهنية الاسلامية قائمة على التلقين و الجمود و التقليد ، و لا علاقة لها بالابداع لأن الابداع يتطلب حرية الفكر وحرية الفكر عند المسلمين مقيدة بأغلال المسلمات الخاطئة مثل :الاجماع و الاتفاق ، و تقديس الشيوخ ، و تقديس اجتهادات القدماء و تحريم نقدها مع و زندقة من يفعل ذلك و تكفيره ، تحريم الشك و التساؤل و الفوبيا من النقد الذاتي ...الخ
    تحريم الفنون والموسيقى ,

  • لا يهم

    المبدعين و المخترعين في الحضارة الاسلامية غير محسوبين على الاسلام لأن الفقهاء و رجال الدين كفروهم و زندقوهم و أخرجوهم من الملة ،انهم في نظرهم مرتدين و كفرة و مشركين ، عدا ذلك لا نعلم ان كان هناك أي عالم أو مخترع ينتمي للدين الاسلامي ،
    أما العلم و السلفية فبينهما برزخان لا يلتقيان .