هل هي بداية العودة الى الأصل؟

تزامن ظهور العديد من فرق المديح التي تحيي الأعراس في المجتمع الجزائري مع رغبة الكثير من الأسر في هجر “الديسك جوكي” الماجن، لاسيما أن هذه الفرق تقوم في أدائها بانتقاء الكلمات العذبة والمهذبة التي لا تتنافى مع تقاليد وعادات المجتمع الجزائري، بالإضافة إلى أنها تحيي الأعراس بكل اللهجات والطبوع الخاصة بكل أنحاء الجزائر من قبائلي وعاصمي وسطايفي وغيرها. انتشرت بشكل واسع اليوم، وإن كانت لا توجد بالشكل الذي توجد به فرق الغناء والمطربين إلا أنها شغلت إلى حد الساعة مكانا كبيرا داخل المجتمع الجزائري الذي بدأ يميل إلى هذا النوع من المرح في أعراسه، سواء الختان أو الزواج وغيرها من الأفراح.

        إن هذا الاختيار الذي اتخذته الكثير من الأسر الجزائرية في إحياء أعراسها، كان لابد منه على حد تعبير الكثير من الأفراد، بحيث يرى العديد من الأشخاص أن ما يعرف “بالديسك جوكي” أصبح اليوم هدّاما للأخلاق والقيم الحميدة، خاصة في أعراس وأفراح بنيت على دعائم حلال، فالكثير منهم اعتبر أن مثل هذه المناسبات السعيدة مزجت حلالها بحرام الغناء الماجن والاختلاط بين كلا الجنسين، وتحول العرس بين الأقارب والعائلات إلى ما يشبه الملاهي الليلية سواء في الرقص أو الغناء أو حتى الصياح الذي يشبه النباح، نجد عكس ذلك أن المديح يقوم على كلمات نظيفة ممزوجة بألحان أسرية تدخل الفرح والسرور من دون خدش للكرامة والحياء، لذا كان الاختيار الأصح في إقامة وإحياء الأعراس بفرق المديح وليس بالغناء الهابط من الديسك جوكي أو أشباه بعض الفنانين.

 في حين يرى البعض الآخر أن سعادة وأفراح أعراسنا لا تقوم إلا على الغناء والرقص، أما المديح في الأعراس فكثيرا ما يشبه المناسبات الحزينة، مستغربين في ذلك ميل بعض الأسر الجزائرية إلى إحياء أفراحهم بفرق المديح، بل ذهب البعض إلى أبعد من هذا، إذ يرون أنه إما أن تقام الأعراس بالغناء والطرب أو بدونه تماما، أما إحياؤها بفرق المديح فهو أمر غريب على حد تعبيرهم، ولا يتماشى مع المناسبة السعيدة للعرس، فالمديح يكون في المناسبات الدينية فقط التي تتوفر فيها نصوص التهليل وغيرها، وهذا لا ينطبق على الأفراح.

 كما ذهب الكثير ممن اتخذوا المديح وسيلة لإحياء أعراسهم، إلى أن إحياء هذه الأفراح والمناسبات باختلافها من طرف الفنانين والمطربين أو “الديسك جوكي” يكون مكلفا، كما أنه لا يمكن أن ننسى أننا نستمع لما يخدش الكرامة والحياء من الكلمات الهابطة، عكس فرق المديح الذي ينمي المكارم والأخلاق وفي نفس الوقت هو وسيلة للترويح عن النفس بكل ما هو مباح من الكلام، كما أنه ليس من الضروري أن الفرح يقوم على الرقص والغناء وإلا فلا، فالمتعة والسعادة كذلك تطبعها هذه الفرق من خلال مزج الكثير من الألحان والإيقاعات، بكلمات مهذبة ومحتشمة لا تخاطب الشهوة ولا الأحاسيس والمشاعر على غرار ما تقوم عليه فرق “الديسك جوكي”.

هي إذا عادة انتشرت في المجتمع الجزائري من خلال إحياء أعراسهم بفرق المديح، سواء كانت نسوية أم رجالية، وبين من هو مقبل ومن هو مدبر عليها،استطاعت أن تحجز لنفسها مكانا كبيرا داخل الأسرة الجزائرية، وأصبحت مهربا لهم من الغناء الماجن الذي استفحل في مجتمعنا بشكل رهيب، ولم تسلم منه حتى أعراسنا، التي كانت في الأمس تقوم على كل ما هو نظيف من قصائد وأغان محتشمة، وتراث للمتعة المباحة بعيدة عن كل ما يمس أخلاق وشرف الأسرة ومن حولها، فصارت فرق المديح هذه اليوم بمثابة باب نجدة من لغو الكلام الذي انتشر في أعراسنا من طرف العديد من الفنانين.