-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
في ظل طغيان المظهر على الذوق وفقدان الهوية بين الإضافات

هل يعود الجزائريون إلى الأطباق التقليدية بنسختها القديمة؟

نسيبة علال
  • 1999
  • 0
هل يعود الجزائريون إلى الأطباق التقليدية بنسختها القديمة؟

اقتحمت المائدة الجزائرية، خلال العشرية الأخيرة، تحديدا، العديد من الأطباق العصرية، الدخيلة على مطبخنا، بالإضافة إلى تغييرات غير معهودة في أصناف كثيرة من الحلويات والطبخات، التي تعودت جداتنا وأمهاتنا على إعدادها، بوصفات ثابتة متوارثة.. هذا، كله، أصبح يكلف العائلات مصاريف أكثر، تنفق على إضافات في الغالب لا طائل منها، ما بات يستدعي وبقوة العودة إلى تراثنا المطبخي الأصيل، الذي يتميز بجودة الذوق وبساطة المقادير.

خدعة الوصفات الاقتصادية والصحية

آلاف فيديوهات الطبخ، باتت تغزو مواقع التواصل الاجتماعي، يوميا، تؤثر بشكل أو بآخر في النساء، اللاتي يبحثن عن تقديم الجديد على طاولة العائلة، بأقل التكاليف، وعناوين جذابة مغرية، على شاكلة: “وصفة صحية لكذا..”، “وصفة اقتصادية، بمكونين فقط، اصنعي طبقك المفضل..”، تبقى عناوين لاستقطاب المهتمين وحتى غيرهم، ليس إلا، أما المحتوى، فالكثير من المكونات المكررة والمصنعة والمعلبة، تنضوي تحت الإشهار في الصفحات الكبرى غالبا. مع هذا، فإن سيدات كثرا يجدن أنفسهن يجربنها ويعتمدنها، فقط لكونها عصرية وناجحة.

تقول الخبيرة في الطبخ الجزائري، السيدة سليمة: “حان الوقت للعودة إلى أطباقنا التقليدية، إن لم يكن ذلك بدافع الحفاظ على جيوبنا التي أنهكتها المصاريف، فليكن بدافع الحفاظ على صحة أجسامنا، إذ المطبخ الجزائري الأصيل غني بوصفات تعتمد على عناصر من الطبيعة، غير مكلفة، ويمكن الحصول عليها بسهولة. وهنا فقط، تكمن فخامتها وشهرتها، أما ما يروج له الهواة عبر اليوتيوب، تحت عنوان الوصفات التقليدية، فليس من تراثنا، على العكس، يمكن اعتباره تحريفا وإضرارا بمطبخنا”.. تضيف السيدة سليمة، بكل ثقة: “لا أجد أبدا وصفات اقتصادية أكثر من تلك التي تعودت عليها جداتنا وأمهاتنا، منذ الاستعمار وفي فترة الفقر بعده، بمكونات غاية في الزهد، ولكنها استطاعت أن تخرج إلى العالمية، ويحبها الأجناس”.

تراث عامر بالبساطة والتميز

لقد اجتهدت جداتنا، سابقا، في رسكلة أصناف عديدة من الطعام، لتصنع منها أطباقا تقليدية شهية، يستمتع بها الفقير والغني ومتوسط الدخل، على حد سواء، وتقدم بحب وبفخر، في الأيام العادية أو في المناسبات، على غرار السفيرية والشخشوخة والكسكسي بأنواعها.. ومقارنة ببقية المطبخ العربي، لطالما اعتمدت السيدة الجزائرية على مكونات بسيطة، بعيدة عن التكلف، فهي عادة لا تستعمل الكثير من اللحوم المشكلة والمكسرات.. وكلما استطاعت الاقتصاد في طبخها أكثر، عبّر ذلك عن مهارتها وقدرتها على تقديم أكل لذيذ وصحي، بمكونات قاعدية.. كانت هذه ميزة نسائنا منذ القديم، إلى حين الانفتاح، الذي سمحت به التكنولوجيا، أي بات بإمكان كل النساء الاطلاع على وصفات من مختلف المطابخ العالمية، وحدث التحول مع محاولات عصرنة الأطباق التقليدية، وإعطائها طابع الفخامة، بإضافات غير ملائمة لطبيعتها، في الكثير من الأحيان، ومكلفة جدا.

مناسباتنا بأطباق جزائرية

في الوقت الذي غطت فواكه استوائية مجففة بريق طاجين لحم الحلو، وتربعت الحلويات الملونة وقطع الألمنيوم والكثير من المكسرات على واجهة قصاع الكسكسي والشخشوخة والتريدة الأصيلة، يحتدم الجدل أيضا، إن كانت الأطباق ذات المرق الأبيض تطهى بالثوم، وكيف يطبخ المرق الأحمر، والمزيد من خلطات التوابل الغريبة باهظة الثمن، تدخل مطابخنا، من بلدان شقيقة، وحتى من الهند وبقية آسيا، ومطبخنا الجزائري يكابر يوما بعد يوم في محاولة الحفاظ على هويته وأصالتها، وبساطة مكوناته، حتى في المناسبات والأفراح.. مرت على الجزائريين فترة حاولوا من خلالها استبدال أطباق ارتبط كل واحد منها بمناسبة معينة، بأخرى لا هوية ثابتة لها، أصبحنا نعيش مرحلة طغى فيها البرستيج على بقية المقومات، وأخذ الناس يأكلون بأعينهم قبل أفواههم، ولا ندري حتى كيف استبدلوا محل المثل الشعبي القائل: “العين تاكل قبل الفم”، وأصبح أسوأ ما في مناسباتنا، أننا ننفق على مواد التغليف والتزين التي ترمى في القمامة، أكثر بكثير من ميزانية الأطباق والحلويات في حد ذاتها. الغريب في الأمر، أن الإضافات التي أصبحت تفرض على أطباقنا، وخاصة حلوياتنا التقليدية عادة، ما لا يؤكل، وهو برستيج فقط، فقد تم إضافة حتى بعض الإكسسوارات: الخياطة من شراشب، ريش، أحجار لامعة، دونتيل، وغيرها، لحلويات مثل الشاراك والعرايش والكعيكعات، التي كانت مع مرور الزمان رمزا للبساطة. أما ما يتم تناوله من صبغات كثيرة ذهبية وفضية، وعجينة سكر ملونة، فيحذر الأطباء من كونه عناصر مسرطنة، لا ينبغي تناولها، ولا يصح تقديمها للأطفال.

كل هذه العوامل، جعلت المرأة الجزائرية تعيد التفكير بجدية في هوية مطبخها، وتعاود البحث عن الوصفات التقليدية بنسختها القديمة، محاولة الحصول على تلك البنة، التي تصحبها رائحة مميزة ومظهر مريح.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!