الرأي

هل يلام “ديلام” على ما فعل؟!!

التهامي مجوري
  • 3668
  • 15
ح.م

شرعت في الكتابة عن فرنكوش الجزائر، بسبب الحملة التي شنها القوم على جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، لمجرد أن فتوى صدرت عن أحد المنتسبين إليها، يقول فيها: إن يناير عادة جاهلية لا يجوز الاحتفال بها، وبدلا من إحياء السنة المازيغية كان الأولى أن نحيي السنة الهجرية.
ورغم أنني لست مع الفتوى بهذا التعميم، فإن الفتوى لا تزيد عن رأي فقهي لرجل من أهل الإختصاص، حيث كان مديرا للشؤون الدينية لمدة طويلة، وشخص يملك حريته كمواطن جزائري في الكلام، وكعالم يتحمل مسؤوليته فيما يقول ويفعل، ولكن القوم لم يكن يعنيهم صاحب الفتوى، بقدر ما تهمهم الحملة على جمعية العلماء، لينعتوها بكل ما يحلو لهم من نعوت، لا تليق بكل من في قلبه ذرة من حب للجزائر والجزائريين وإرادة الخير لهم..
ولكن لما اطلعت على كاريكاتير “ديلام”، أرجأت الكلام عن تفاصيل ما قاله الفرنكوش، ورأيت أن الكلام عن الأصل، أولى من الكلام عن الفرع؛ لأن ما قاله ديلام صراحة هو الكل والجذر والأصل لكل ما قاله الفرنكوش بطرق تفصيلية وملتوية.
إن في الجزائر -إذا أردنا أن نسمي الأمور بأسمائها- شرذمة من “العنصريين البربر، والفرنكوفيليين، ومتطرفين شوعيين”، لكل فئة من هذه الفئات الثلاث، صورة للجزائر التي يحلم بها، ولكنهم يجمعون الحقد على كل ما هو عربي وإسلامي في هذه البلاد، إذ لا يجدون فرصة للطعن في العرب والمسلمين إلا وفعلوا الأفاعيل بلا تردد، وبعنصرية لم يبق لها وجود في العالم اليوم، حتى عند السود في أدغال إفريقيا من الذين يشعرون أن الأبيض شيطان..
هذه الشرذمة ليست من النوع الذي له قناعات يريد أن يدافع عنها، أو أفكار يريد لها أن تعم البشر لينتفعوا بها، سواء كقوميين يعتقدون أن الفكر القومي له مزية، أو كوكلاء للفرانكوفونية من الذين تبنوا النضال من أجل الفرنسية، أو كمناضلين من اليساريين الذين يعتقدون أن توجهاتهم السياسية والإقتصادية فيها خدمة للإنسان. فلو كانوا من هذا التوجه أو ذاك، لهان الأمر واحترمت آراؤهم كتوجه نضالي بقطع النظر عن الصواب والخطأ.
وإنما هم من طينة أخرى همها تصيد الفرص، للطعن في العربية والعرب، وفي الإسلام والمسلمين. فإذا جاء رمضان مثلا شحذوا سيوفهم دفاعا عن “وكّالي” رمضان، حفاظا على الحريات الشخصية بزعمهم..، وإذا جاء عيد الأضحى، لمزوا الإسلام والمسلمين بالإرهاب، ونعتوهم بحبهم للذبح والقتل..، وبحبهم للأوساخ المترتبة عن ذبائح العيد..، وإذا صدرت فتوى أو رأي فقهي من شيخ محترم في مسألة ما لا تعجبهم –صوابا أو خطأ-، اندلعت حربهم على كل ما لا يعجبهم، وليس على صاحب الفتوى فحسب، وإنما على كل من ينتمي إلى فصيلته العربية الإسلامية…، وليس الفتاوى الدينية فحسب، وإنما في المواقف المبدئية الوطنية الاستقلالية الرشيدة أيضا، من الأمور التي لا تعجبهم.. فعندما قررت وزارة الدفاع الوطني كتابة لوحاتها بالعربية والأنجليزية وحذفت الفرنسية ثارت ثائرتهم.. وأشعلوها نارا على هذا الذي سولت له نفسه باستبعاد الفرنسية وإهانتها بهذا الشكل !!.
هذه الشرذمة التي نطق اليوم ديلام باسمها، لتقول لنا إن العرب سيُنْفَون تلقائيا من الجزائر… وإن قرار رحيلهم تأخر 14 قرنا!! هي نفس الشرذمة التي قارنت في يوم من الأيام بين “العربي بلخير” و”لقبايلي بالشر”!! يا له من سفه وسفالة. وهي ذاتها التي أدخلت البلاد في بحر من الدماء والدموع ابتداء من 1992، بالتحريش بين أبناء الجزائر، وتحريض القوى العمومية على كل من فيه رائحة التدين، وهي نفسها التي دعت “سرا” قوى الدفاع الذاتي الموجودة في المناطق الداخلية، ومنها على وجه الخصوص منطقة زواوة، إلى الإحتفاظ بالسلاح وعدم رده إلى الدولة… كان ذلك في سنة 1997، ربما تحضيرا لفتنة ثانية..
إن هذا التوجه أو بعضه هو الذي سمي في تاريخ الحركة الوطنية بـ”الأزمة البربرية” في حزب الشعب وحركة الانتصار، لما تحمل في طواياها من سوء نبية وخبث سريرة وفساد طوية.. وإذا كان أبناء الحركة الوطنية قد نجحوا في تلك المرحلة المبكرة في إخماد نار الفتنة التي أرادوا إشعالها، وتراجع المغرر بهم ممن كانوا منشطيها، لشعورهم بخطر هذه الشرذمة على البلاد، فإنهم بكل أسف لا أظنهم اليوم يشعرون بنفس الشعور، أو على الأقل لا يشعرون بالمستوى الذي يوقف هذه الشرذمة عند حدها.. مثلما وأدوا مشروع “الـبي بي كا” حزب الشعب القابئلي في أربعينيات القرن الماضي، المشروع الذي كان يهدد الحركة الوطنية بالانقسام والتمزق.
من طبعي لا أريد إثارة مثل هذه المسائل في معالجة قضايانا الخلافية، دينية وثقافية وسياسية، ولكن ما حيلتي وبلادي مهددة بالانقسام، وأهلها مهددون بالتناحر كما تناحروا في العشرية الحمراء.. 1988/1999. وإذا لم يستدرك الأمر فإن البلاد مهددة بما هو أسوأ لا لا قدر الله؛ لأن وسائل الفتك والتمزيق اليوم أيسر بكثير مما كانت عليه قبل عقدين من الزمان، والذين يُطمْئنون أنفسهم ويشعرون غيرهم بعدم عودة أحداث التسعينيات واهمون..؛ لأن مواليد التسعينيات راشدون وأعمارهم اليوم ما بين 18/28 سنة، أي لا يعرفون عن تلك الأحداث شيئا، واستدراجهم لفتنة أخرى سهل ويسير؛ بل يوجد في نفوسهم قدرا من اليأس ما يستدرجهم لذلك لأسباب أخرى ليس هنا مجال الحديث عنها.
أنا لا ألوم ديلام كفنان عبر عن قناعاته بتطرف؛ لأن للفنانين شطحات معروفة خارج المألوف والمعروف، حتى أن العرب تقول عن الشعر “أعذب الشعر أكذبه” لما عرف عن الشعراء من مبالغات في الصور الفنية والألفاظ، وإنما ألوم النخبة الوطنية التي تركت لهذه الشرذبة المجال للّعب بالبلاد والعباد.
إن ديلام لم يعبَّر بكاريكاتوره عن مكنوناته هو بالأساس، وإنما عبر عن مكنونات أولئك بموضوع الساعة “يناير”، وما يحيط به من قيم مازيغية، التي أقرتها السلطة كتراث وثقافة من صميم مكونات الشخصية الوطنية الجزائرية، فكانت له فرصة الدعوة إلى تهجير العرب من الجزائر بعدما استعاد البربر حقوقهم الضائعة.. بترسيم المازيغية وعيد ينَّاير!!
إن من يفكر في تهجير العرب من الجزائر لن يكون إلا عنصريا، ولا علاقة له بالقيم الإنسانية والوطنية والعرفية الجزائرية؛ بل لا يكون إلا عامل تمزيق للبلاد، وخائن للوطن والوطنية. وكل ذلك لا يمكن فصله عن الأكاديمية البربربة الفرنسية، وعن حركة الماك الانفصالية ذات العلاقة بالإدارة الفرنسية والصهيونية العالمية.
واللوم على النخبة؛ لأنها لم تتعامل مع هذه الشرذمة بما تستحق من القوة العاقلة..، بل تساهلت معها بعدم تسجيل الموقف في الوقت المناسب..، أحيانا خوفا على المنطقة زواوة من تأثيرهم السلبي عليها.. وأحيانا بأنهم ضعاف لا يؤثرون على الشعب.. وأحيانا بأن خيانتهم هي التي ستكشفهم.. وفي كل ذلك خطأ لا ينبغي الوقوف عنده.
إن الأمر يحتاج إلى شجاعة كما فعل رجال الحركة الوطنية، عندما ظهرت الأزمة البربرية في الحركة الوطنية، فإنهم وأدوها في مهدها.. وحتى لا تتحول المشكلة إلى صراع عربي/ مازيغي، أمر حكماء الحركة الوطنية بأن تصفى العملية في إطار مازيغي صرف، أي أن أبناء الحركة الوطنية من منطقة زواوة، هم الذين تولوا وأدها في مهدها.. ولم يتدخل أحد من العرب، ثم أطلت علينا بقرونها بعد الاستقلال بعباءات متنوعة، في عباءة إحياء التراث المازيغي حينا، والدفاع عن التوجه الاشتراكي حينا آخر، والعمل على الإبقاء على اللغة الفرنسية باعتبارها لغة علم وتطور ونهضة… أما حقيقة الأمر الجامع بين أطراف هذه الشرذمة هو النيل من كل ما يصل الجزائر بالشرق.. حتى انهم قالوا إن امتدادنا متوسطي وليس مشرقيا.
آسف لذكر هذه التفاصيل، التي لا أريد لها أن تدخل أدبياتي، ولكن الضرورة هي التي ألجأتني للدخول فيها..
فعلى أهل المنطقة تحديدا وغيرهم من أبناء الجزائر عموما، أن يشعروا بالخطورة التي تهدد الجزائر، كما شعر بها عمار أورقان رحمه الله –وهو أمين عام للحزب الشيوعي في مرحلة من تاريخ الجزائر- أن المساس بالعربية والإسلام في الجزائر، تآمر على الوطن الجزائري. لقد كان عمار اوزقان -رغم خلفيته الأيديولوجية- من كتاب جريدة “الشاب المسلم” الناطقة بالفرنسية التي كانت تصدرها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في مطلع خمسينيات القرن الماضي… ولم ير في قناعته الفكرية مانعا له من الدفاع عن الإسلام والعربية، كمقومين أساسيين في الحراك الوطني، مثلما هو الحال اليوم عند الجزائري مهما كانت خلفيته، لا يشعر بأي مانع له من الاعتزاز بالانتماء للتراث المازيغي المتناغم مع قيم الإنسان عموما، وقيم الدين الإسلامي وأخلاقه خصوصا.

مقالات ذات صلة