هل يُلغى قرارُ “تحرير” بيع الخمور؟
اعتادت السلطة، منذ سنوات طويلة، أن تتّخذ قراراتٍ غير شعبية، دون الاكتراث برفض الشعب؛ إذ عادة ما يكثر اللغط حولها بعض الوقت ثم تهدأ الأمور فتتمكن من تنفيذها بحذافيرها، ما شجّعها على إعادة الكرّة في كل مرة.
لكن الوضع الآن بدأ يختلف؛ ففي مستهل جانفي الماضي خرج سكان عين صالح إلى الشارع للاحتجاج على الشروع في استكشاف الغاز الصخري بالمنطقة، وراهنت السلطة كعادتها على أن عامل الوقت كفيلٌ بإضعاف الحركة الاحتجاجية، لكنها فوجئت بتوسّعها وبتضامن شعبي وجمعوي وحزبي كبير معها.
واليوم، تسقط السلطة في خطإ آخر أشدّ فداحة وتُصدر قرارا تعسفيا بـ“تحرير” بيع الخمور، دون أي اكتراث بالرفض الشعبي له، على خلفيةٍ دينية واضحة لا لبس فيها. وربما راهنت أيضاً على عامل الوقت لفشل أيّ احتجاجات محدودة، لكن الحركة الاحتجاجية الشعبية بدأت تتوسّع من ولاية إلى أخرى. فقد خرج آلاف المواطنين في مظاهرات ضد تحرير بيع الخمور في الجلفة وتيسمسيلت والأغواط وغرداية.. ثم تداعت تنسيقية أئمة الغرب الجزائري لتوحيد خطبة الجمعة المقبِلة في مساجد 12 ولاية غربية للتنديد بقرار “تحرير” بيع أم الخبائث، على ما فيها من أضرار ومفاسد أخلاقية واجتماعية شديدة.
وإذا أصرت السلطة على تنفيذ قرارها السيّئ، فقد تتوسّع الحركات الاحتجاجية للمواطنين والأئمة إلى كل الولايات، وستساهم السلطة بذلك في فتح جبهة اجتماعية جديدة على نفسها وترفع منسوب الاحتقان الشعبي ضدها دون أن تجني أي فائدة.
ولسنا ندري لماذا تصرّ السلطة على استعداء الشعب مجاناً عوض العمل على تجسير الهوّة الكبيرة بين الطرفين ومعالجة الوضع الاجتماعي الذي يزداد احتقاناً؟ منذ سنوات قليلة، كان عددُ الاحتجاجات الاجتماعية وقطع الطرقات يناهز 10 آلاف احتجاج سنوياً، واليوم بلغ 15 ألف احتجاج، أي بزيادة 50 بالمائة كاملة في بضعة أعوام، وعلى السلطة أن تُحسن قراءة دلالاتها جيّدا وتعمل على معالجتها بحكمة، وليس العمل على رفع هذه النسبة أكثر بقرارات مثل “تحرير” بيع الخمور، وكأنّ هذا ما كان ينقص الجزائريين المطحونين بتفشي البطالة وسوء توزيع السكن وغلاء المعيشة وغياب العدالة الاجتماعية…
الخمر عاملٌ رئيس في تهديم أخلاق المجتمع وتفكيك الأسر ورفع منسوب الجريمة والعنف لدى أفراده… وقرار بن يونس سيزيد كل هذه الآفات وغيرَها تفاقماً وتفشياً، فيتعذر بعدئذٍ علاجُها وتطويقها بالإجراءات الردعية وحدها، ما دام العامل المغذي لها قائماً، وما يحدث في دول الغرب لا يخفى عن أحد، وكلما تفاقمت هذه الآفات زاد التوترُ الاجتماعي بدوره وتفاقمت الاحتجاجات وانعكس ذلك سلباً على الأمن العام والاستقرار..
السلطة الحكيمة هي التي لا تحتقر شعبها، ولا تحاول فرض قراراتها عليه، ولا تتحدى قيمه وتقاليده، ولا تستهين باحتجاجاته، ولا تجد ضيراً في التراجع عن قراراتها إذا شعرت بأنه يرفضها وبدأ يتململ ويتّجه إلى التصعيد ضدها…
وإذا صحّ نبأ إقدام سلال على مراسلة الولاة لـ“تجميد” قرار بن يونس، فسيكون ذلك قراراً حكيماً من السلطة، وخطوة نحو الإلغاء، ولكن الحكمة تقتضي أيضاً الإعلان عن ذلك، عوض إبقائه سرّيا لغايةٍ في نفسها.