الرأي

هم يخترعون ونحن نفتي!

ح.م

في غالبية الدول العربية التي وصلها اللقاح الخاص بوباء كورونا، لم يتحدث أطباؤُها وصيدليوها أكثر من رجال الدين فيها، ففي المملكة العربية السعودية خاض في اللقاح إمامُ الحرم الشريف، ونصح مواطني المملكة بأخذ لقاحهم، وكان هو نفسه السبَّاق إلى تلقي أولى الجرعات المستورَدة، وتحدَّث عن سلامة اللقاح وضرورة تعاطيه، كما خاض علماء الأزهر الشريف في اللقاح، بعد ساعات من وصوله إلى القاهرة، إذ تحدَّثت بعض الأوساط الإعلامية المصرية عن مادة مستخرَجة من شحوم الخنزير تُستعمل في تركيبة اللقاح، وقالت دار الإفتاء المصرية إن المادة الخنزيرية تذوب ويتبخّر مفعولها وأجازت تعاطي اللقاح، كما أجازت لجنة الفتوى في الجزائر، استعمال لقاح كورونا، وأكدّت على عدم احتواء مكوناته على أي مادة محرَّمة. وجاء هذا الطوفان من الفتاوى في بلادنا الإسلامية، بعد طوفان من الجهد هناك، لأجل إنجاز اللقاح في العديد من البلدان الغربية والآسيوية من أمريكا إلى الصين إلى الهند إلى إنجلترا.

هل استعان هؤلاء المُفتون بالأطباء أو علماء الصيدلة والأمراض المعدية، قبل أن يطلقوا فتاويهم؟ بل هل يوجد في بلاد الإسلام علماءٌ يمكنهم إعطاء التكوين الحقيقي للقاح كورونا الذي سيبقى حكرا على دول دون غيرها، كما هو حال التكنولوجيا وعلوم الفضاء والسلاح وغيرها؟

منذ عقودٍ ورجال الدين في بلاد الإسلام هم وحدهم من “يعملون”، فكلما أنجز الغرب اختراعا أو ابتكارا إلا وخاضوا فيه من مكاتبهم، السلفيون في الخليج يتحدثون عن جواز سياقة المرأة للسيارة القادمة من أوروبا أو اليابان، والشيعة يفتون في إمكانية المشاركة النسوية في المنافسات الرياضية الأولمبية التي أقرّها الغرب تجمُّعا كونيا لكل الشعوب برياضات وجوائز ميدالية من كل المعادن. وهم الآن جميعا بعد أن تألم العالم وتوجع أكثر من سنة، تحت قصف الفيروس القاتل، يجتمعون لأجل أن يطلقوا فتواهم النظرية بشأن عملٍ هو عصارة اجتهادات مخبرية كلفت ملايير الدولارات وجبالاً من العلوم والمعارف.

ألم يحن الوقت بعد ليفتي علماء الشريعة بحُرمة الكسل والاتكال على جهد الآخرين؟ لقد منحت جائحة كورونا للبشرية معلومة مؤكدة عن كون الناس سواسية في التفكير، وفي العلم، وبأنهم مهما تطاولوا في البنيان العلمي، فإنه لم يأتهم من العلم إلا قليلا، وبأن الله لم يوزع الذكاء ظلما، ولم يمنح للغربيين العبقرية ويشلّ عقول الآخرين، ومع ذلك وُوجهت هذه المعلومة بأعين لا ترى وأذان لا تسمع، بل وبعقول لا تدرك.

لقد فعلت كورونا بالبشرية الأفاعيل، ولم تترك بقعة في الأرض إلا واحتلّتها، بل إن أكثر ضحاياها كانوا من أبناء الدول المسماة بالعظمى، ففاق رقم الوفيات المئة ألف في بريطانيا واقترب من النصف مليون في الولايات المتحدة الأمريكية، وحدث دمارٌ في العلاقات الاجتماعية والقوى الاقتصادية، وقرّ الناس لعدة شهور في بيوتهم، لا يدرون ما يفعلون، وبعد طول التيه في النفق المظلم، أشرقت بعض خيوط الشمس… ولكن من الغرب !

مقالات ذات صلة