-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هنيئا لنا فرحتهم بالعيد

جمال غول
  • 330
  • 0
هنيئا لنا فرحتهم بالعيد

ونحن نعيش فرحة العيد الشرعية، ونتذكر حال إخواننا في غزة، لا ينبغي أن يتسرّب إلى أذهان بعضنا أنّ أهلنا هناك لن يعيشوا هذه الفرحة بسبب ما يعانونه من ترهيب وتهجير وتشريد وتجويع، بل إنّ فرحتهم فرحة حقيقية في الباطن قبل الظاهر، وفي المعنى والمبنى معاً.

إنها فرحة من صام رمضان، وهو لا يكاد يجد في إفطاره وسحوره قطرات ماء ولا تمرةً أو شقها، ومع ذلك فهو صابر محتسب، كأنه ومن معه من نزل فيهم قوله تعالى: “فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا * وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ” آل عمران (146)، إنها مدرسة الثبات والصبر والاحتساب.

إنها فرحة من صام والقرآن يصابحه ويماسيه ويبايته ويضاحيه، بل إنّه كان يتلى عندهم أضعاف ما كان يتلى عندنا في أجواء الأمن والأمان، كان أنيس المجاهدين في الأنفاق وهم يخططون ويتربّصون بالعدوّ، ورفيق الكبار والصغار، ومع النساء وهنّ يعلمنه في الحلقات يفترشن الغبراء ويلتحفن السماء، بإزارات دون خيام إلى العراء، وإن تعجب فاعجب لقوم صبيانهم لا ينسون تلاوة القرآن ومراجعته حتى وهم تحت الهدم والأنقاض، وقد رأينا ذلك الطفل قبل أيام مع أخيه تحت الأنقاض يراجعان القرآن ويقول له اقرأ من سورة العنكبوت، ثمّ طفق يتلو في سكينة وخشوع، وكأنه ليس في غزة فضلا أن يكون تحت الأنقاض، وأعجب من هذا ذلك الطفل الذي كان يرتل القرآن أثناء عمليته الجراحية في غياب مادة التخدير، وإنها لصورةٌ من الخيال لولا أنها حقيقة موثقة، والحقيقة أنّ هؤلاء القوم قد تجاوز القرآن حناجرهم وانتهى متربعاً على سويداء قلوبهم قبل أن ينساب غضّا طريا عبر ألسنتهم الطاهرة الرطبة من ذكر الله، وبذلك أعادوا بالصوت والصورة نماذج الصحابة ومن تبعهم بإحسان في تفانيهم عن أنفسهم وكرباتهم وآلامهم لحظات التحام قلوبهم مع آيات القرآن الكريم: “وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ” الأنفال 2.

إنها فرحة الراضي بقضاء الله وقدره، رغم الجراح والمآسي التي تنوء بحملها الجبال، ليس بسبب مكر الصهاينة ووحشيتهم فحسب، بل وبسبب تخاذل إخوانهم المسلمين عن نصرتهم، والأسوأ من ذلك بسبب طعنات الظهر المسمومة التي تأتيهم غدراً ممن كانوا يحسبونهم إخوانا ينتظرون ولاءهم ونصرتهم.

ومع كل ذلك فهم لا يتسخّطون ولا يرمون باللائمة على غيرهم بل تراهم راضين مسَلمين متحاملين بتثبيت من الله على عظيم آلامهم طمعاً في تحقيق آمالهم في إحدى الحسنيين أو كلتيهما.

لقد رأينا رأي العين من يرى أولاده يموتون أمامه فيودعهم صابرا يحتسبهم شهداء عند الله مُعَبرا بألفاظ تقطر رضاً وتسليما لقضاء الله تعالى وقدره!!! في صورة يعز أن يجود الزمان بمثلها.

حقا إن غزة اليوم هي الطبعة الأصيلة الصحيحة للتوحيد والعقيدة الصحيحة وما عداها قد أصابها الدخن وإن حسب أصحابها أنهم على شيء.

إنّها فرحة من قام يؤدي حق الله تعالى دون وهن ولا ضعف ولا استكانة، بل بثبات والتزام قلّ نظيره بأحكام الشرع؛ فهم لا يقاتلون صفا مقابل صف، بل إنّهم منذ سنوات محاصرون، وقد تكالبت عليهم أمم الكفر بقضّها وقضيضها وخدمها وعبيدها، ومع كلّ ذلك فهم ثابتون على دينهم وقّافون عند أحكامه وحدوده.

ولعلّ أكبر مثال على ذلك هو في طريقة تعاملهم مع الأسرى اليهود التي أذهلت العالمين بما فيهم الصهاينة أنفسهم، الذين ما فتئ جيشهم يدكّ على العزّل من أبنائهم وزوجاتهم وذويهم الدور والمدارس والمستشفيات والمساجد في وحشية تتنزّه منها الوحوش الضواري، ورغم ذلك لم تتحرك في أنفسهم غريزة الانتقام والتمثيل والتنكيل بالأسرى التزاما بشرع الله تعالى، في موقف يدلّ على أنهم في منتهى الانضباط والاقتداء الذي قد لا يوجد عند غيرهم.

فيوم كانت القضية مرهونة بجامعة الدول العربية وغيرها من المنظمات الدولية وعلى سراب المفاوضات خسرت كثيرا، ولكنها لما اعتمدت على ربها وأحسنت التوكل عليه والتزمت بشريعته أجرى الله لها أقدار الخير.

وقد جاءت البشرى من النبي- صلى الله عليه وسلم- في بقاء هذه الثلّة من الأمّة إلى آخر الزمان، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (لا تزالُ طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحقِّ لعدوِّهم قاهرين لا يضرُّهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأْواءَ فهُم كالإناءِ بين الأَكَلةِ حتى يأتيَهم أمرُ اللهِ وهم كذلك. قالوا: يا رسولَ الله وأين هم؟ قال: ببيتِ المقدسِ وأكنافِ بيتِ المقدس).

إنها فرحة من انتصر بأخلاقه وشجاعته وجميل خصاله، فقد صدق فيهم هذا الوصف؛ صغيرهم قبل كبيرهم، ونسائهم قبل رجالهم، لقد تفوّقوا على ما يُزعم من قيم اليهود المكذوبة وتجاوزوا بمفاوزَ قيم الغرب المزدوجة المشوبة. وبذلك حققوا مصلحة شرعية عظيمة وطمسوا تلك الصورة المشينة التي طالما سعى أعداء الله إلى إلصاقها بالإسلام لتشويه صورته المشرقة الوضاءة وإبرازه في هيئة الدين الدموي السادي المتعطش للتكفير والتفجير والتدمير وسفك الدماء، وصنعوا على أعينهم منظمات إرهابية دموية وألبسوها زورا وبهتانا لبوس الإسلام وتفننوا خبثاً ودهاءً في تسميتها حتى يسهل عليهم مخادعة الجماهير بها على شاكلة دولة الإسلام في العراق الشام والتي عُرفت اختصارًا بـ (داعش )، ألا لعنة الله على الأفّاكين.

ولكن بفضل الله ثم بفضل صدق وصبر وثبات هذه الثلة الغزاوية المباركة استطاع الضمير الحر في أوروبا وغيرها أن يتعرّف على حقيقة المسلمين وحقيقة الجهاد وتبينّ لهم بكل جلاء الأقرب والأحق بتمثيل حقيقة الإسلام، وهذا لعمري من أعظم مواقف الانتصار.

إنها فرحة من جمّع الله لهم الخير من أطرافه، الجهاد والشهادة والصبر والاحتساب والتضحية والصلاة والصيام والقيام وتلاوة القرآن وغيرها مما لم يجتمع لأحد غيرهم منذ قرون طِوال.

فهنيئا لنا الفرحة بالعيد والفرحة بفرحة هؤلاء وأعظم بها من فرحة،

واللهَ تعالى نسأل أن يقوّيهم ويشد من عزائمهم وأن يكلل جهادهم بفرج ونصر قريب، وأن يجري بهم ولهم أقدار الخير ولأمتهم جميعا. وأن يتجاوز برحمته عن تقصيرنا في نصرة إخواننا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!