الرأي

هولاند: لست جديرا بما فعلنا معك

محمد سليم قلالة
  • 2464
  • 12

صدقوني بأن العبارة التي قالها الرئيس الفرنسي بأن عودة وزير داخليته سالما من الجزائر “تعد في حد ذاتها إنجازا”، لم تؤلمني قط، بل بالعكس، أكدت لي ما كنت أعتقده دوما من أن الرسميين الفرنسيين إنما هم من يروج لهذه الصورة عن الجزائر والجزائريين، ليس فقط بين أفراد الشعب الفرنسي إنما عبر العالم، حتى يخافنا الجميع ولا يقترب منا أحد ويبقوا وحدهم الناطقين باسمنا، القادرين على فهم “عقليتنا” والتفاهم معنا. بل وهم من يروجون لكل ما هو مشين عن “العقلية” الجزائرية التي هي دون مستوى الحضارة.

وهي الفكرة ذاتها التي كان يبرر بها بعض المستشرقين الفرنسيين سياسات الاستعمار باعتبارها تمدينا لهذه الشعوب المتوحشة، من أمثال “ماسينيون”،”رينان”، “بلاشير”… بل وطرحها حتى  أعداء الرأسمالية ذاتهم في تلك الحقبة من أمثال “إنجلز”، الذي دعا “بيجو” إلى فتح الجزائر و”تأديب قطاع الطرق واللصوص الهمج” بها، في ثناء واضح على البرجوازية الفرنسية، وكذلك رئيس الحزب الشيوعي الفرنسي “موريس توريز”، الذي كان يقول إن “الناس في الجزائر وإفريقيا وشمال إفريقيا ليسوا شعوبا بل إنهم لا يزالون في طور التكوين”…  ولعلي لا أبالغ إذا قلت إن تضخيم حادثة المروحة الشهيرة إنما كان بهذه الخلفية القائمة على الاستعلاء الحضاري واحتقار الآخرين…

وقد اعتقدنا أن النخبة الفرنسية السياسية الحاملة لهذا الفكر الذي يعود إلى القرون الغابرة قد انتهت إلى غير رجعة، وأن الثورة الجزائرية قد بينت حدود هذا المسعى، وأن مرحلة ما بعد الاستقلال قد ولَّدت جوا آخر من شأنه أن يُرسي العلاقات بين الشعوب على أساس التكافؤ الحضاري والمساواة في الحقوق والواجبات بغض النظر عن اللون أو الدين أو الانتماء العرقي، فإذا بمثل هذه الإشارات من رئيس فرنسي، توحي أن هذه الترسبات مازالت عالقة بذهن البعض ممن لا يزالون يتوهمون أن  الرجل الأبيض، والأوروبي بالتحديد، سيبقى سيد العالم ينظر إلى الآخرين في صورة أولئك الهمج، العنيفين، الذين ينبغي اتقاء شرهم، أو تأديبهم بالغزو… ناسين أن  العالم اليوم تغير، وأن الشعوب الأخرى قد تحررت وهي اليوم صاعدة نحو الأعلى، وأن عليهم أن يكفوا عن هذا التفكير التقهقري، حتى وإن كان تعبيرا عفويا عن اللاشعور، ويدركوا أن الخوف من الآخر يسكن الذي لديه قابلية للهزيمة، أما المنتصر أو من يحمل بذور النصر بداخله فيعفو عند المقدرة، وهو ما فعله الشعب الجزائري مع الرئيس الفرنسي نفسه، رغم التاريخ، ومن غير حقد، ولكنه اليوم، على الأقل، بما تلفظ من قول بدا بأنه لم يكن جديرا بذلك. 

مقالات ذات صلة