جواهر

هو بلا مذهب في أُنْثــاه!

أماني أريس
  • 6341
  • 3
ح.م

إن أكثر ما يحزنني هو أن أعايش صراعات التحول الأنثوي، بطولها، وتقلّب فصولها وكلّها احتراق، ومعارك استنزافية في سبيل السّراب..

رأيت من بدأت مشوار شبابها بالالتزام لكن قناعتها تزعزعت، وهي ترى سنوات شبابها تمر سراعا ولم تصادف في طريقها من يريد الظفر بذات الدين والالتزام، فتحوّلت بسلاسة نحو عرض مفاتنها وتعديد العلاقات، والسخاء في إرضاء الذئاب السّاغبة، ظنّا منها أن الرجال يفضّلون من على تلك الشّاكلة، وتفكيرها وإن كان مخطئا، إلاّ أنّه واقعي نسبيا، فهذا الصنف له مريدوه، وكثيرات تزوجن على هذا الحال. لكن هي بالذات و للأسف لم تنجح معها التجربة وخاب مسعاها، وما إن نال منها التّعب النفسي؛ تزهّدت وتزمّتت وانطوت، وهكذا بقيت حالها تتقلّب بين مدّ الأمل وجزر اليأس، لترسو في النهاية وبعد رحلة طويلة بمشاقها وخسائرها المعنوية وربما المادية؛ على كلام جدّاتنا اللواتي – على بساطتهن – أدركن أنّ الزواج مهما تشاطرنا فيه، ولعبنا بأوراق الواقعية، والمنطق والمؤهّلات، لن يخرج عن فلك الأقدار، وعبّرن عن هذه المفاهيم الفلسفية بكلمة بسيطة هي ” المكتوب “.

ليتك تدركين يا عزيزتي أن المعايير الثابتة التي تُرضي بها ” ابن مجتمعك  ” هي  السّراب بعينه،  في مجتمعنا ضالّتُكِ ومُضلِّلكِ بلا مذهب في أُنْثـاه؛  فهو التقليدي الحرملكي، وهو التقدمي التحرري،  وهو الدكتاتوري التسلطي، وهو الديمقراطي التعددي، وهو الاشتراكي وهو الرأسمالي، وهو القرآني وهو السنّي..

في عقل كل رجل من رجالنا تقريبا صورة امرأة يوتوبية؛ يتمثّل فتاة أحلامه مثل الصحابيات الجليلات، والجدّات العتيقات، وجميلات الشاشات، وثريات المجتمع، ومثقفات العالم، ومجاهدات الوطن، وجواري الحرملك، في صورة مركّبة وضبابية لا تكتمل ملامحها أبدا من صنف واحد. بل كل جزء يبتر منه ما لا يتوافق مع أهوائه، ونزواته، وعُقَده ومصالحه. وعمليا يسعى متشاطرا لاختيار من تبرز فيها الميزة الأكثر إغواء له، لذلك تجدين من يتزوج المتبرجة، ومن يفضل المتحجبة، ومن يلهث وراء الموظفة، ومن يريدها ماكثة في البيت، ومن يحب الجميلة، ومن يقنع بالمتوسطة، وكلهم في الحقيقة لن يصيبوا سوى أقدارهم.

 وعليه يا عزيزتي ليس مطلوبا منكِ أن تمثّلي دور شهرزاد، وأن تشتري لكِ عمرا افتراضيا بتكلّف مرهق في تجريب أنواع الحيل والأشكال، ولا أن تنقذي عُنقك بشطحات الخيال، فقد دفعت سالفتك ضريبتها عبر العصور واكتفت، وجاء الدور على شهريار ليدرك أن حياته لا يمكن أن تكون أكثر اتزانا وسعادة وجمالا وعدلا وسلاما ما لم يتصالح مع ذاته ويرفع سيوفه المسلطة فوق رقاب النساء تارة باسم التقاليد، وأخرى ناطقا رسميا باسم الله، وثالثة بحجة الشرف، ورابعة باسم الواقع والتعصرن.

وسواء بدأ يدرك أم ليس بعد، ليس عليك أن تخوضي معاركا لإرضاء مخلوق جعلته منتهى غاياتك، كوني أنت محور ذاتك، واثبتي بثقة على مبادئك وقناعاتك.

مقالات ذات صلة