-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هَلْ لِأُرُوبَا ضميرٌ حتَّى يَتَأزَّمَ؟

هَلْ لِأُرُوبَا ضميرٌ حتَّى يَتَأزَّمَ؟

للمؤرِّخ الفرنسي بُول هازار (1878-1944) مجموعة كُتُب أهمها كتابَان هما: “الفكر الأوروبي في القرن الثَّامن عشر”، وقد أمرنا أستاذُنا أبو القاسم سعد الله –رحمه الله– في السنة الجامعية 1970-1971، أن نقرأه قراءة علمية، فهو يؤرخ لما يسميه الأوربيون “عصر التنوير”؛ وأما الكتاب الثاني، فيحمل عنواناً يُبَيِّنُ بعمق وجَلاَءٍ محتواه، وهو: “أزمة الضمير الأوربي منذ الثلث الأخير للقرن الثامن عشر إلى الربع الأول من القرن التاسع عشر.
لا يعنيني محتوى الكتابين، ولكنني وقفتُ طويلا متأمِّلا ومُتَمعِّناً عنوان الكتاب الثاني “أزمة الضمير الأوربي”، وكلَّمَا استعرضتُ تاريخ أوربا الذي درَّسه لنا ثلاثة أساتذة هم موسى لقبال، الذي درّسنا الحروب الصليبية، وأهم مرجع أحالَنَا عليه هو كتاب رنسيمان، والدكتور جمال قنان الذي درَّسنا تاريخ أوربا في منتصف القرن 19، والدكتور سعد الله أبو القاسم الذي دَرَّسَنا علاقة الجزائر في أواخر التحالف الجزائري–العثماني مع أوربا عموما ومع فرنسا بصفة خاصة، هذه العلاقة التي انتهت باحتلال فرنسا للجزائر التي سال لعاب فرنسا عليها منذ القرن السادس عشر.
ثم اهتممتُ بصفة شخصية بتاريخ هذه الشعوب الأوربية وما ارتكبته من جرائم ضد الشعوب غير الأوربية، في ما يسمى “الكشوف الجغرافية”، ورأيتُ كيف تعاملت أوربا مع هذه الشعوب التي كانت تطلق عليها تعبيرا يدل على حقارة هذا العرق الأوربي، وهو “الماشية الإنسانية”، الذي يدّعي أنه “مبدع” معنى “الإنسانية”، التي لم يلتزم بها حتى في الصراع البيني بين القُوَى الأوربية في محاولة كل واحدة منها أن تستحوذ على أكبر مساحة من الأراضي في شتى أنحاء العالم، وأن تستعبد أكبر عددٍ من بني البشر.
وقرأت ضمن هذا الاهتمام هذه الجريمة الكبرى التي قتلت هذا “الضمير”، وهي جريمة الحربين العالميتين الأولى (1914-1918) والثانية (1939-1945)، هذه الحرب الأخيرة التي انتهت في أوربا لتفتح فرنسا “القيم الإنسانية” –كما تزعم- حربا أخرى في قطعة صغيرة من هذا العالم، وهي مجازر 08 ماي 1945 في الجزائر إلى درجة أن عائلات بأكملها مُحِيَ اسمُها من السجل في قراها ومدنها، وذلك بأمر الجنرال المجرم “دوغول” وموافقته.
كانت أوربا، وقد ذاقت ويلات الحرب العالمية الثانية، يمكن أن تكون أكثر شعورا بالكارثة، ولكن الضمير الأوربي الذي كان متأزما في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر لم يتحرك أدنى حركة مما يدل على أن ما ارتكبته أوربا من جرائم أَمَاتَ هذا الضمير الأوربي.. وأصدق دليل على موت هذا “الضمير” أنه بُعيد هذه الحرب تآمر الغرب كله فارتكب جريمة أبشع وأشنع هي طرد شعب من أرضه، وإخراجه من بيوته، وأعني الشعب الفلسطيني، وتسليم ذلك إلى عصابات استُجْلِبَت من أكثر من 100 دولة، ليؤسس هذا الكيانَ الهجين المسمى “إسرائيل”، لا حبا في اليهود، ولكن تخلصا منهم، إذ كان الغرب يسمي هؤلاء اليهود “الجراد الأصفر”.
مَهمَّةُ الإنسانية في أنحاء العالم العمل على “إحياء” هذا الضمير الإنساني الذي قتله الطمع الأوربي، والجشع الأوربي، لأنه سيأكل بعضه إن لم يجد ما يأكله أو مَن يأكله. ومن كان في مِرْيَةٍ مما أقول فلينظر إلى هذا التحالف الغربي بقضِّه وقضيضه لإماتة الشعب الفلسطيني في غزة، وتزويد المجرمين الصهاينة بالسلاح والمال..

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!