-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
ماذا بعد رمضان؟

واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين

سلطان بركاني
  • 4320
  • 0
واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين

ها هي الأيام تتوالى بعد رحيل رمضان، وها هي ذكراه بدأت تُمحى من الأذهان، وربّما لن ينقضي أسبوع بعد رحيله حتى يُطوى في غياهب النّسيان، وتُنسى أيامه ولياليه الحسان التي ذاق فيها كثير من التّائبين حلاوة الإيمان بعدما تجرّعوا مرارة الغفلة والحرمان؛ أيام عُمرت فيها المساجد واستنارت البيوت وتصافت القلوب وتآلفت الأرواح، رقّت فيها القلوب وسالت الدّمعات، وامتدّت الأيدي بالصّدقات، وقامت الأجساد وقت السّحر بين يدي الله ربّ البريات.. فيا ليت العام كلّه رمضان. يا ليت العمر كلّه رمضان. يا ليت الدّنيا كلّها رمضان.

29 يوما انفلتت من بين أيدينا لكأنّما هي سويعات معدودات.. لا شكّ أنّنا جميعا بدأنا نحسّ بأنّ رمضان يزداد قصرا عاما بعد عام؛ أيامه ولياليه لكأنّما هي أضغاث أحلام، أو كطيف زار في المنام.. رمضان يتقاصر عاما بعد عام، والأشهر كلّها تتقاصر وكذا الأسابيع والأيام، وهكذا سيظلّ الزمان يتقاصر، وتذهب بركة الأعمار، فلا يشعر الواحد منّا بأيام عمره كيف تتوالى وتنقضي، حتى إذا كان يوم القيامة أحسّ أنّه ما لبث في هذه الدّنيا من يوم ميلاد إلى يوم وفاته إلا يوما أو بعض يوم.

لسنا ندري كيف تطيب نفوسنا بنسيان رمضان في الأيام الأولى من شوّال!، وكيف نتنكّر لضيفنا الغالي في الأسبوع الأوّل بعد رحيله!.. وكيف ينقض كثير منّا عهدهم، وينسلخون من توبتهم، ويخلعون ثياب العبودية، ليعودوا إلى حياة الغفلة والتّفريط، أياما قليلة بعد رحيل رمضان.

إنّ العبودية لله لا تختصّ بساعة من الساعات ولا بيوم من الأيام ولا بشهر من الشهور، بل تبقى مع العبد إلى آخر رمق من حياته؛ فيرحل عن هذه الدّنيا وكلمة التوحيدلا إله إلا اللهتحرّك شفتيه؛ دخلوا على رجل من السّلف في ساعاته الأخيرة وهو يصلي فقيل له في ذلك فقال: الآن تطوى صحيفتي فأحبّ أن أختمها بالصّلاة.. تأمّلها جيدا ـ أخيّ المؤمن ـ يا من تفكّر في ترك الصلاة بعد رمضان، يقول: الآن تطوى صحيفتي وأحبّ أن أختمها بالصّلاة.. لله درّها من نفس، يصلّي في آخر لحظاتٍ يعيشها في هذه الحياة.. ثمّ تأمّلْ معي حال التّابعيّ الزّاهد الربيع بن خثيم عليه رحمة الله؛ لمّا وهن عظمه وعجز عن القيام، كان يُهادى بين رجلين إلى المسجد حتى يوقف في الصفّ، فقيل له: يا أبا يزيد، لقد رخّص الله لك، لو صليت في بيتك؟. فقال: إنّه كما تقولون، ولكنّي سمعته يناديحيّ على الفلاح، فمن سمع منكمحيّ على الفلاحفلْيجب ولو حبوا ولو زحفا. وهذا العابد القدوة عامر بن عبد الله بن الزبير عليه رحمة الله، يسمع النّداء في آخر لحظات عمره، فيشير إلى من هم حوله ليأخذوه إلى المسجد، فقالوا له: إنّك عليل، فقال: أسمع داعي الله فلا أجيبه! فحملوه إلى المسجد، وصلى مع الإمام ركعة من صلاة المغرب وفاضت روحه، ليُبعث يوم القيامة مصليا، عليه رحمة الله. الإمام سليمان بن مهران الأعمش عليه رحمة الله، قريبا من 70 سنة لم تفته تكبيرة الإحرام، والإمام سعيد بن المسيب رحمه الله، يحدّث عن نفسه في آخر عمره فيقول: “ما فاتتني تكبيرة الإحرام، وما نظرت في قفا رجل في الصّلاة منذ 50 سنة“. تأمّلها جيّدا يا من تفكّر في هجر المسجد بعد رمضان، خمسون سنة لم تفته تكبيرة الإحرام مع الإمام، وخمسون سنة وهو لا يصلّي إلا في الصفّ الأوّل.

هكذا كانت حال عباد الله الصالحين مع العبودية لله الواحد الأحد؛ كانوا لا يعرفون الراحة منها، لأنّها جنّة الدنيا والآخرة، ولهذا لمّا سئل عمر بن عبد العزيز عليه رحمة الله: متى الراحة يا عمر؟ قال: عند أوّل قدم توضع في الجنّة

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • أشرف.ق

    عنوان في الصميم...كاينا منها يا الشروق صح فطور الجميع...سلام