-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

واقع السياسة التعليمية في السنوات الأخيرة

واقع السياسة التعليمية في السنوات الأخيرة

إن التعليم أساسه سياسة موجّهة، ومبدؤه نظام فكري محدد لسيره، وغايته توجهات تربوية ضابطة لمضامينه وأهدافه.
هذه الجوانب الثلاثة تشكل الواقع السياسي الذي يوجه التعليم، وهو الواقع الذي يعيش بيننا وتحرّكه جهود الأمة، وتطبعه فلسفتها واتجاهاتها، وهو واقع يشخّصه النظام التعليمي الذي يسير المدرسة ويضبط نشاطها.
وواقع هذا النظام يبرزه التطور الذي أحدثته السياسة منذ أن انطلق سير المدرسة. إن ما عاشته المدرسة التي نستعرض بعض ظروفها هي ستون عاما، وهي الفترة التي عرفت فيها المدرسة أربع محطات تاريخية.
المحطة الأولى عُرفت بالمرحلة الانتقالية، وهي المرحلة التي واجهها المشرفون وفرض عليهم إجراء تغييرات مكيّفة لظروفها، ولسير الوضع الانتقالي الذي عاش هذه الفترة من 1962 إلى 1976، وفي هذه المحطة قامت الوزارة في آخرها بإصلاح شامل للوضع حرصت من خلاله على تغيير ما هو قائم، وتأسيس نظام وطني بديل، يحدّد السياسة الوطنية التي تحدد من خلالها هوية المدرسة ومكونات النظام التعليمي، وفي هذه الفترة (المحطة) عاشت المدرسة فترة التحول من الوضع الانتقالي إلى مرحلة التأسيس التي هي المحطة الثانية التي بدأ العمل بها في سنة 1980، وهي المرحلة التي اتضح فيها اتجاه المدرسة، وهو الاتجاه المتميّز الذي أخذ يطبّق مبادئ الإصلاح وأفكار التوجه الوطني، وهي المرحلة التي استمرت خلال التسعينيات.

العبارات الواردة في القانون لا تنص على هذا، وإنما تنص على ما يضمن تعليما مشتركا لكل التلاميذ، وهو يعني إقرار برنامج التعليم الموجه للمرحلة الإلزامية التي تشمل الابتدائي والمتوسط، وبهذا التجديد يصبح المهتمون بالموضوع لا يفرّقون بين مفهوم النظام الذي كان قائما، وبين المفهوم الذي استعمله القانون التوجيهي (تعليم مشترك)، وهو تعبير يعني أن التعليم الأساسي كنظام تم إلغاؤه، كما تمّ إلغاء أمرية 1976 المؤسِّسة له.

وفي هذه المرحلة عاشت المدرسة فترة التفكير في جوانب التغيير التي نص عليها الإصلاح التي قررتها الدولة، وهو الإصلاح الذي استمر التفكير فيه حتى بعد التعددية الحزبية، وبداية الانفتاح السياسي. هذه المرحلة المشحونة بالمناقشات استمرت إلى نهاية الألفية الثانية، وفي أثناء سنواتها بدأ التفكير في تعميق الإصلاح ومناقشة التيارات الفكري التي أفرزتها إرادة التفتح على ما يجري في مجال التطورات التربوية. هذه هي المحطة الثالثة التي طرح فيها النقاش الذي ركز على مجالات التغيير والتطوير، ولكن الوزارة لم تقدِم على التغيير الذي حددته لجان المناقشة رغم أنه كان أحد اهتماماتها وكان الاتجاه البارز في تفكير المناقشين، لأن الوزارة كان تفكيرها متجها إلى وضع تصور شامل للمنظومة التربية، وهذا كان أحد اهتمامات الرئيس. لذا، فكر في تعميق عملية الإصلاح فقرر في سنة 2000 تشكيل الورشة الكبرى للإصلاح، وهي اللجنة التي شكلها وأسند إليها مهمة تطوير المنظومة التربوية، وأسند إليها وحدد لها طريقة المعالجة للإصلاح وغاية البحث، وطلب منها النهوض بهذه المهمة وخصّص لها فترة زمنية لازمة للإنجاز هي تسعة أشهر، وجمع لمهمتها عددا كبيرا من يهمهم الموضوع، وجعلهم ضمن أعضاء اللجنة، فقامت اللجنة بما طلب منها في ظرف سنة، وأنجزت تقريرا طويلا ومفصّلا وشاملا لجميع جونب المنظومة التربوية وقدمت تقريرها إلى الحكومة في سنة 2001، وتمّت قراءته ومناقشة عناصره في جلسات الحكومة.
وفي سنة 2002، عرض التقرير في مناقشة مركزّة وتمت الموافقة عليه وأمرت الوزارة بالشروع في تنفيذ اقتراحاته وتوجيهاته، وبناء على ذلك شرعت الوزارة في عمليات التنفيذ وإحداث التغيير، وتلّقت الوزارة الموافقة على الشروع في عمليات التنفيذ وإحداث التغيير، وتلقَّت الوزارة الموافقة على الشروع في تنفيذ بعض الإجراءات.

نوقش الموضوع على مستوى الحكومة وعُقدت جلسات تم بعضها مع البرلمان، ولكن ما تم عرضه لم يكن توجيهات محددة سياسيا وتربويا ووفق قوانين مضبوطة، وإنما تناولها العرض كمشروع عامّ هدفه التغيير، واهتمت الوزارة بعمليات التنفيذ.

تعلم لغتين مختلفتين في النطق يرفض أن يكون الجهد ملائما لتعلّم كل لغة، وتعلّم لغتين في سنة واحدة وفي بداية التعلّم غير ملائم، ولا يمكِّن المتعلِّم من معرفة جوانب كل لغة في وقت واحد، يضاف إلى هذا أن الوقت المقرر للإنجليزية ساعة ونصف ساعة، بينما الوقت المقرر للفرنسية ثلاث ساعات، فكيف يتم الجمع بين لغتين ظروف تعليمهما مختلفة، ومعلم الإنجليزية غير مكوّن لهذه العملية بينما معلم الفرنسية مكون ومهيأ للعمل؟

وهنا، تبدأ المحطة الرابعة التي تجسّد التغيير، بعدما تابعنا المحطة الثالثة التي كانت تسعى إلى التفتح وإحداث التغيير وللتغييرات التي بدأتها الوزارة بعد المصادقة على التقرير، رأتها هامة وضرورية، فبدأت بتنفيذ أهم عناصر التغيير الذي وجّهته الوزارة إلى الميدان، فكانت البداية قبل مناقشة التقرير وهي أن الدولة ألغت المجلس الأعلى للتربية الذي كان يوجه الوزارة وتم إلغاء هذا المجلس بعد تشكيل لجنة الإصلاح، وبعد الشروع في تنفيذ توجيهات تقرير لجنة الإصلاح وجّهت الوزارة اهتمامها للشروع في تنفيذ ما تمت مناقشته في لجنة الإصلاح، وما عزّرته الحكومة في جلساتها. بدأ اهتمام الوزارة بمناقشة مجموعة من الاقتراحات والتصورات التي أثارها النقاش الموسّع، إن ما فكّرت فيه الوزارة وبدأت الاهتمام به هو ما قررته الدولة وزكته الحكومة وسارعت الوزارة إلى إجراء تنفيذه.
وأهم إجراء وجهت الدولة الاهتمام به هو مراجعة نظام التعليم الأساسي، لأن التعليم الأساسي لم يعد الاهتمام به في الأخير كنظام متكامل وتوجّه تربوي حديث ورؤية تنظيمية منسجمة مع اهتمامات المجتمع، وما تناول المنشور في هذا المجال كان جزءا من الاهتمامات الهادفة إلى مراجعة نظام التعليم الأساسي وتجديد قانون التربية الذي سنراه، لأن الوزارة بدأت تمهِّد له، وكان هذا التعليق ممهِّدا لما سيذكره القانون الذي بدأت التهيئة لتأسيسه، وهو القانون الذي سنراه في عام 2008 باسم القانون التوجيهي.
إن الاهتمام بالتراجع عن الالتزام بنظام التعليم الأساسي يهيئ الظروف لإحداث التغيير، ولإصدار القانون التوجيهي الذي هو تجديد لقانون التربية، وعندما نستعرض هذا القانون لا نجده يثبّت نظام التعليم الأساسي ويبرز مميزاته، ولكنه يذكره كتعليم مبرمج، ويدعو إلى إلغائه كنظام أو إلغاء الجوانب المجسِّدة لمكوناته، وهو التخلي عنه، وتعويضه بما يجعل المحتوى المعرفي الذي يتناوله يضمن تعليما مشتركا لكل التلاميذ، ويوجه للعناية بالمرحلة الإلزامية التي تعني الابتدائي والمتوسط، ولكنه لا يصرح بهذا، إنما نجد العبارات الشارحة للمعنى تحدد ما يعنيه التعليم الأساسي الذي هو برنامج تعليم مشترك وموحد لكل التلاميذ ولا يشرحه كنظام يُنجز وفق خطة متميزة وطرق حديثة يركز فيها على ربط المعرفة بالعمل وتبرمج فيه الأعمال اليدوية المفيدة والمهارات التقنية. إن هذا هو الأهم لوم يشرحه القانون، هذا ما يُستخلص من عبارات القانون التوجيهي.
وما يجب ذكره هنا أن التعليق على التعليم الأساسي لم نجد ذكره في تقرير لجنة الإصلاح، هذا لم يستخلص من الحديث الذي تناوله القانون التوجيهي، وعندما نستعرض ما يطرحه المنشور في موضوع الأمرية التي كانت أساس القانون التوجيهي والمؤسس للتعليم الأساسي نجد أن أمرية 1976 تم إلغاؤها عمليا، وتم توضيح ظروف إلغائها، فاللجنة التي قامت بإلغائها هي الحكومة، وليست الوزارة كما ذكر المنشور، لأن هذا ليس من صلاحياتها، فالحكومة هي التي دفعت إلى التفكير في الإلغاء، فتولت الوزارة الأمر، ودعت إلى الإلغاء ووجهت المنشور إلى المسؤولين ليشرح لهم الإلغاء الذي تم تنفيذه.
وبعد إلغاء الأمرية بدأ الشروع في التخلي عن التعليم الأساسي كنظام قررته السياسة وثبته النظام منذ بداية الثمانينيات، ولكن العبارات الواردة في القانون لا تنص على هذا، وإنما تنص على ما يضمن تعليما مشتركا لكل التلاميذ، وهو يعني إقرار برنامج التعليم الموجه للمرحلة الإلزامية التي تشمل الابتدائي والمتوسط، وبهذا التجديد يصبح المهتمون بالموضوع لا يفرّقون بين مفهوم النظام الذي كان قائما، وبين المفهوم الذي استعمله القانون التوجيهي (تعليم مشترك)، وهو تعبير يعني أن التعليم الأساسي كنظام تم إلغاؤه، كما تمّ إلغاء أمرية 1976 المؤسِّسة له، وهذا ما يُفهم من الاستعمالات الواردة في المنشور، والتي يفهم منها التراجع عن بعض جوانب السياسة التعليمية التي حددتها النصوص التي تم تنفيذها في مرحلة التأسيس.
ومن الجوانب التي يشملها التغيير التراجع عن المكانة التي كانت تعطى للغة الأجنبية في نظام التعليم، كانت المكانة المقررة لها هي السنة الرابعة من التعليم الابتدائي لأن السياسة حددت هذا المستوى ولا تُدرج قبله، ولكن التغيير أنزلها إلى مستوى السنة الثانية تم حوّلها إلى السنة الثالثة، كما تم التراجع عن اللغة التي كانت تستعمل في تدريس الرموز والمصطلحات في الرياضيات والحساب، وهناك جانب آخر في نظام التعليم تم التراجع عنه وإلغاؤه وهو إلغاء المجلس الأعلى للتربية الذي كان يعتمد في توجيه الوزارة سياسيا وتربويا. وبعد تشكيل لجنة الإصلاح (الورشة الكبرى) سنة 2000 تم إلغاء هذا المجلس، واستمر إلغاؤه إلى اليوم، ووزارة التربية اليوم بحاجة إلى هيأة سياسية تقوم بمهمة التوجيه وتحديد السياسة.

 يضاف إلى هذا التغيير إلغاءُ سياسة تكوين المعلمين، وهو الإجراء الذي كانت تنفذه الوزارة، تم إلغاؤه وتوقيف العمل بالمعاهد المخصصة للتكوين، وتُرك هذا الأمر إلى الجامعة، وتم التحول إلى الاكتفاء بالتوظيف المباشر بالشهادات والاستغناء عن برامج التكوين، ومازال هذا الأمر مطروحا إلى اليوم.

يضاف إلى هذا التغيير إلغاءُ سياسة تكوين المعلمين، وهو الإجراء الذي كانت تنفذه الوزارة، تم إلغاؤه وتوقيف العمل بالمعاهد المخصصة للتكوين، وتُرك هذا الأمر إلى الجامعة، وتم التحول إلى الاكتفاء بالتوظيف المباشر بالشهادات والاستغناء عن برامج التكوين، ومازال هذا الأمر مطروحا إلى اليوم. هذا هو واقع السياسة التعليمية التي يتم التعامل بها، وهذا هو واقعها، وضمن هذا الظرف يواجهنا اليوم حدث سياسي ولغوي أقدمت على العمل به الوزارة في مجال تنفيذ السياسة التعليمية الخاصة بتعليم اللغة الأجنبية، ويطرح هذا الواقع في مجال تنفيذ القرار السياسي الذي قررته الدولة هذه السنة بخصوص تعليم اللغة الإنجليزية في الابتدائي.
إن إدراج تعليم اللغة الإنجليزية في الابتدائي قرارٌ سياسي هام قررته الدولة السنة الماضية، وهو إجراء ثوري له مكانته السياسية والتربوية، فالاهتمام به يضع سياسة الأمة التعليمية في المستوى الحضاري الذي يحقق للأجيال ما تنتظره من تطور فكري وعلمي ولغوي ويرفع شأن الأمة في المجال المعرفي والتعليمي، ولكن إجراءات التنفيذ التي اتبعتها الوزارة في الميدان قللت من قيمة هذا القرار، وحطت من شأن ما هدف إليه سياسيا ولغويا، لأن الجهد الذي خصص لتنفيذه موزع بين تعلم ثلاث لغات: الإنجليزية والفرنسية والعربية التي لايزال المتعلم لم يستكمل معرفة أساسياتها في السنة الثالثة التي ينفذ فيها القرار. إن الجهد التعليمي الذي تنطلق منه المدرسة جهدٌ غير ملائم للوضع؛ فتعلم لغتين مختلفتين في النطق يرفض أن يكون الجهد ملائما لتعلّم كل لغة، وتعلّم لغتين في سنة واحدة وفي بداية التعلّم غير ملائم، ولا يمكِّن المتعلِّم من معرفة جوانب كل لغة في وقت واحد، يضاف إلى هذا أن الوقت المقرر للإنجليزية ساعة ونصف ساعة، بينما الوقت المقرر للفرنسية ثلاث ساعات، فكيف يتم الجمع بين لغتين ظروف تعليمهما مختلفة، ومعلم الإنجليزية غير مكوّن لهذه العملية بينما معلم الفرنسية مكون ومهيأ للعمل؟
هذا وضعٌ يجعل تعليم لغتين في سنة واحدة غير ملائم، ولا يمكِّن المتعلِّمين من معرفة أساسيات اللغتين، هذا الوضع غير ملائم وغير مقبول تربويا ولا يقود إلى النجاح، لذا قلنا في توضيحات سابقة إن التنفيذ الذي أقدمت عليه الوزارة ليس في مستوى القرار. لذا، طالبنا بأن تفكر الوزارة في الأمر وتسعى إلى تغيير الظرف الذي يُنفَّذ فيه القرار، لأن بقاءه بهذا الوضع غير جائز عمليا ولا يحقق ما تهدف إليه المدرسة.لأن ما تهدف إليه هو تمكين المتعلم من معرفة الحروف (أسمائها وأشكالها) ومن معرفة أنواع الرموز وأصواتها وطريقة النطق بها، ومن معرفة تأليف الحروف والأصوات في كلمات والنطق بها. هذا هو الجانب الذي تتكفل به المدرسة ويقوم به المعلم، وهو الواقع الذي ينبغي أن تحققه السياسة التعليمية، وما شرحناه لا يحقق الغاية المنتظرة من تنفيذ السياسة التي تم أتباعها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!