الرأي

.. وتستمرّ معركتنا ضدّ السفاهة الفرنسية

سلطان بركاني
  • 1084
  • 9

لا تزال تداعيات الإساءة التي وجهتها صحيفة “شارلي إيبدو” الفرنسية إلى خاتم الأنبياء والمرسلين وسيّد الأوّلين والآخرين، ودافعت عنها فرنسا الرسمية التي تحمّست بداية، ثمّ تلكأت قليلا، ثمّ ها هي تعود أدراجها لتستأنف سفهها، وها هم كبار مسؤوليها يستعرضون عضلات ألسنتهم في خوض معركة يرونها مقدّسة لصالح حرية تعبيرٍ انتقائية، ولسان حالهم: ((وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَاد)).

صحيفة تافهة امتهنت الطعن في الأنبياء والأديان، أساءت وعاودت الإساءة إلى خير خلق الله، وأصرّت واستكبرت، ثمّ حينما قال المسلمون وعقلاء العالم: أنّى هذا؟ تدخّلت فرنسا الرسمية للدّفاع عنها، وأخذتها العزّة بالإثم، ولكنّها اضطرت لتتراجع خطوات إلى الوراء بعدما تداعى المسلمون لمقاطعة منتجاتها، غير أنّها ما لبثت أن عادت إلى إصرارها بتحريض من اللّوبي الصّهيوني واليمين المتطرّف، عادت لتتحدّى المسلمين بإصرارها على حماية السفهاء وتهدّد وتتوعّد الأبرياء الغيورين على دينهم ونبيهم، وها هي تتتبّع المدارس والمراكز الإسلامية وتمنع المسلمين من تعليم أبنائهم في البيوت وتدرس وقف انتداب الأئمّة إليها.. وها هو الرئيس الفرنسيّ ماكرون، يطالب قيادات الجاليات المسلمة بضرورة وضع ميثاق متوافق مع ما يسمّيه “قيم الجمهورية العلمانية” في غضون 15 يوما! وها هو وزير الداخلية الفرنسي يقول قبل يومين متحديا: “الآباء الذين يذهبون إلى المعلمين ويقولون لهم توقفوا عن تدريس الكاريكاتير لأبنائنا وتوقّفوا عن حرية التعبير، سوف يتعرّضون للتّجريم الجنائي، والقاضي يمكنه القول –وهذا مهمّ للغاية- إن كنتم أجانب وثبتت ضدّكم هذه التّهمة يحتمل أن يكون عليكم مغادرة الأراضي الفرنسية”.. وهذا يعني أنّ مجرّد الاعتراض على الإساءة إلى الإسلام أو القرآن أو النبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، سيكون جريمة يعاقب عليها في فرنسا التي أُشرب بعضنا حبّها في قلوبهم واصطبغت أخلاقهم بثقافتها وألسنتهم بلغتها!

هذه هي فرنسا التي بدأت الأصبغة تنمحي عن وجهها الصليبيّ البغيض.. هذه هي فرنسا صاحبة التاريخ الأسود في الحرب على الإسلام في البلاد التي احتلّتها وأذاقت أهلها كلّ صنوف التنكيل والإهانة.. هذه هي فرنسا التي استذكر العالم قبل أيام، في 15 نوفمبر، ذكرى المجزرة التي ارتكبتها في “كُبكب” التشادية في العام 1917م، حينما أعدمت 400 عالم مسلم.. هذه هي فرنسا التي شهد مؤرّخو العالم أجمع بفظاعة ما اقترفته في الجزائر من مجازر يندى لها جبين الإنسانية.. هذه هي فرنسا التي يحجّ كبار مسؤوليها إلى حائط المبكى المزعوم في الأرض المباركة المحتلة.. هذه هي فرنسا التي لم يجد رئيسها ماكرون من وسيلة لترجيح كفته في مواجهة اليمين واليمين المتطرّف بعد تراجع أسهمه أمامهما، سوى مهاجمة الإسلام ومحاصرة المسلمين! فالخزي والعار والشّنار لكلّ من والاها وتولاها ومدّ إليها حبال الودّ: ((إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ * لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)).

هذه الإساءة التي أصبح الدفاع عنها قضية وجود في المنظور الفرنسي الرسميّ، لن تمسّ الحبيب –عليه الصّلاة والسّلام- قيد أنملة، ولن تنقص من قدره شبرا، فقد تكفل العليّ الأعلى سبحانه بنصرته والدفاع عن جنابه الطاهر، فقال: ((إنا كفيناك المستهزئين))، فهي إذن امتحان لنا معشر المسلمين ليعلم الله -وهو العليم الخبير سبحانه- الصّادقين منّا ويعلم الكاذبين.. إنّنا عندما نذبّ عن عرض رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم- فإنّنا نفعل ذلك لأجل أن نبرهن على حبّنا له، ونمحّص إيماننا وغيرتنا لديننا، وإلا فإن رسول الله غني عنّا وعن نصرتنا بنصرة القويّ العزيز له: ((إلا تنصروه فقد نصره الله)).

إنّها معركة فرضت علينا وابتلينا بها وينبغي أن يكون لنا شرف خوضها.. معركتنا جميعا؛ يخوضها كلّ منّا بما بين يديه وبما يستطيع، ونحن -ولله الحمد- نملك سلاحا مؤثّرا هو سلاح المقاطعة.. مقاطعة المنتجات الفرنسية ينبغي أن تستمرّ وتتوسّع، وينبغي أن نشارك فيها جميعا، ولا ينبغي لأي منّا أن يتخلّف عنها.. ينبغي أن نقاطع ما استطعنا مقاطعته من المنتجات الفرنسية، ولا نشتري منها إلا ما لم نجد له بديلا واضطررنا إلى شرائه.. المقاطعة أصبحت واجبا عينيا على كلّ مسلم، لأنّ فرنسا أرادتها حربا سافلة سلاحها الإصرار على السخرية من حبيبنا، ونحن لا ينبغي أبدا أن تكون بطوننا ومصالحنا أعزّ علينا من شفيعنا.

كلّ من يتخلف عن نصرة الحبيب بمقاطعة المنتجات والثقافة الفرنسية، فربّما يكون من القاعدين الذين رضوا بأن يكونوا مع الخوالف: ((فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون)).. في خضمّ الحرب على ديننا ونبيّنا، ينبغي أن نتذكر أنّ الحياد نفاق؛ إذ ليس شرطا أن يقف المسلم مع الأعداء حتى يكون منافقا، بل يكفي أن يقعد عن نصرة دينه ونبيّه، ليضع قدميه على طريق النّفاق.. والله لو قطعت رقابنا نصرةً لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لكان ذلك قليلا إلى جانب حقه العظيم علينا، فكيف بمقاطعة منتجات يوجد في الأسواق بدائل كثيرة لها؟

في بلدنا الجزائر، ما يقرب من ستة عقود، وحراس المعبد يوسوسون لنا بأنّنا لا نستطيع التخلص من التبعية لفرنسا، وأنّه لا مناص لنا من ثقافتها ولغتها ومنتجاتها، ولا طاقة لنا بها وبسياساتها! ولا يمكننا الاستغناء عن سياراتها وأدويتها وألبستها!!! لقد وصل بنا الحال إلى حدّ أن نترقّب رأيها في كلّ خطوة ننوي خطوها، ونستشرف ردّ فعلها إزاء أيّ مشروع اقتصاديّ نريد تجسيده خشية أن ينافس مشاريعها ويؤدّي إلى كساد سلعها! وها نحن بسبب هذه العقدة نضخّ في اقتصادها ما لا يقلّ عن 5 ملايير دولار أي ما يفوق 64 مليار سنتيم جزائري، سنويا!!!
حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية، هي حملة مباركة، ولعلّنا في الجزائر نجني ثمار المشاركة فيها عاجلا غير آجل، ومن يدري لعلّنا نتحرّر من الوصاية الفرنسية إلى الأبد، وننعم باستقلال ثانٍ لا يقلّ أهمية عن الاستقلال الأوّل الذي كان في 5 جويلية 1962م.

مقالات ذات صلة