الرأي

وحدة الوطن والأمة الجزائرية

ح.م

تشرفت “مؤسسة الإمام عبد الحميد ابن باديس” – رضي الله عنه وأرضاه – بعقد ملتقاها السنوي عن فكر الإمام وأعماله، وذلك يوم الإثنين 16-4-2018. وقد كانت موفقة في اختيار موضوع ملتقى هذه السنة وهو “وحدة الوطن والأمة الجزائرية في فكر الإمام ابن باديس”.
وقد دُعي لتناول جوانب هذا الموضوع المختلفة ثلة من الأساتذة المهتمين بمثل هذه القضايا عموما، وبفكر الإمام ابن باديس خصوصا، وهم الدكاترة ناصر الدين سعيدوني، ومسعود فلوسي، ومولود عويمر، محمد أرزقي فراد، وقاسم الشيخ بلحاج، والأساتذة محمد الصالح الصديق، ومحمد الهادي الحسني.
ويجب أن نلاحظ أن مثل هذا الموضوع الهام يذهب ضحية ما يسمى الاعتبارات “البروتوكولية”، فقد تأخر الوفد الرسمي مرتين، مرة عند زيارته لضريح الإمام عبد الحميد ابن باديس، ومرة في حضوره إلى القاعة التي عُقد فيها الملتقى، ولا مبرر لهذا التأخر. فإذا كان بعض المدعوين خرجوا من الجزائر العاصمة على الساعة الثالثة والنصف صباحا، ووصلوا إلى قسنطينة على الساعة الثامنة، وإلى المقبرة على الساعة الثامنة والنصف، فما هو سبب تأخر الوفد الرسمي وقد جاء في طائرة، وفُتحت أمامه الطريق، وتقدمته كوكبة من دراجات الشرطة؟ وإن كان سبب تأخر الوفد الرسمي انشغاله بنشاط آخر، فهذا معناه اعتبار هذا الموضوع “ترفا فكريا”، خاصة أن “مسئولينا” صدَّعوا رؤوسنا بالحديث عن “المرجعية” و”فقه مالك، وعقد الأشعري، والجنيد السالك”، وأكثر من يجسد هذه “المرجعية” عندنا هو هذا الإمام الذي طبع القرن العشرين في الجزائر، كما طبع القرن التاسع عشر المجاهد الأمير عبد القادر…
وملاحظة أخرى، يجب التنبيه إليها وهي أن كثيرا من الناس لا يحضرون هذه الملتقيات للاستفادة، ولكنهم يحضرونها لعيون المسئولين المحليين والوطنيين لعلها ترصدهم فتتذكرهم…. فإذا انصرف المسئولون تبعهم هؤلاء كأنهم أتباعٌ لهم. ولنتصور الحرج الذي يوضع فيه المحاضر الذي سهر وكتب بحثا ليلقيه في عشرين دقيقة عندما يقال له اختصر الوقت إلى خمس دقائق.. وكل ذلك بسبب تأخر “الوفد الرسمي”.
إن النصوص “الباديسية” التي تتحدث عن وحدة الوطن والأمة الجزائرية – شعبا وترابا- كثيرة جدا، ولم تكن مناسباتية، وأجمل منها أن الإمام المرتضى لم يكن مجرد “قوّال”، بل كان “فعّالا”، لترسيخ هذه الوحدة الوطنية بعد إحيائها وبعثها من جديد، ويكفي في ذلك شهادة أعدائنا من الفرنسيين، حيث ذكر المؤرخ الفرنسي شارل آندري جوليان في كتابه “إفريقيا الشمالية تسير: *أن “العلماء” هم الذين أيقظوا الرأي العام من سباته”، وذكر جان لاكوتير في كتابه “الرجال الخمسة” أن مجددي فكرة الوطن الجزائري هم بالأحرى هؤلاء الذين أسسوا جمعية العلماء، أي الشيخ عبد الحميد ابن باديس وأشد أتباعه حماسة كالشيخ الإبراهيمي”.
لقد اجتهدت فرنسا – وماتزال، ومعها تُبّعها– لتُظهر أن جهاد الشعب الجزائري كان خاليا من الفكر، وإنما هو “تمرّد” و”خروج عن القانون” و”عصيان”.. وأسفَهُ من هذا القول لم تسمع أذني، وذلك لأن “الجهاد المسلح” لم يؤمر به رسول الله – صلى الله عليه وسلم– إلا في السنة الثانية من الهجرة الشريفة، بينما أُمر – صلى الله عليه وسلم– بالجهاد الفكري في المرحلة المكية من الدعوة الإسلامية، وذلك في قوله – تعالى – لرسوله – عليه الصلاة والسلام– “وجاهدهم به” أي بالقرآن الكريم. كما أن إذا كان “الجهاد المسلح” محدود زمانا ومكانا لم يطل ويتسّع، فإن “الجهاد الفكري” ممتد عبر الأعصار والأمصار. والدليل على ما نقول هو أن بعض “المجاهدين” عندنا انتهى “جهادهم” في 1962، بل لقد تحول “جهادهم” إلى “ردة”، حيث صار اللدود ودودا، وصار الودود لدودا.
إن مما كاد يجمع عليه المتدخلون هو أن فكر الإمام ابن باديس، “حيّ”، “صالح”: بل هو “الأصلح” للجزائر، وهو يستمد “حياته” و”صلاحه” من الإسلام والقرآن. فيا ليت بعض المسئولين يفهمون أنهم يلهثون وراء “السراب”.
وياليت “قومي” يقرأون ويفهمون ما قاله الشيخ مبارك الميلي، وهو: “ومن حاول إصلاح أمة إسلامية بغير دينها، فقد عرَّض وحدتها للانحلال، وجسمها للتلاشي، وصار هادما لعرشها بنيّة تشييده. (جريدة المنتقد. ع10. في 3 سبتمبر 1925 ص1). إنني أخشى أن نكون جميعا كما كتب إليّ ذات يوم أستاذي المرحوم أبو القاسم سعد الله قائلا: “والأمة التي تأكل أبناءها غير جديرة بأن تكتب عن ابن باديس حتى تتوب توبة نصوحا، وسيأتي اليوم الذي يخرج فيه ابن باديس من القبر كالمهدي المنتظر ليقول كلمته في الانحراف الذي تعرفه الأمة، وقد يرفع فأسه ويهوي به على الجذوع التي سوّست وماسست، وتحللت وماحامت عن الحمى”. (مجلة الوعي. ع1. جويلية 2010. ص 6).
وفي الأخير اقترح على الإخوة في “مؤسسة الإمام ابن باديس” أن يفكروا في إمكانية تنقل هذا الملتقى، ليعقد في كل سنة في ولاية من الولايات، نشرا لفكر الإمام ابن باديس، وليلتقي حملة هذا الفكر والمقتنعون به.. وقد يثمر ذلك “تحقيق مشروع ابن باديس المعلق.
رحم الله الإمام عبد الحميد ابن باديس، الذي وصفه الأخ الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي بأنه “موقظ الضمائر”. وندعو الله – العلي القدير– أن يوقظ ضمائر بعض مازالت ضمائرهم في سبات، ويؤتيهم رشدهم، لأنهم كبروا في العمر، ولكنهم ما يزالون “صغارا” في العقل.
“ذكر المؤرخ الفرنسي شارل أندري جوليان في كتابه “إفريقيا الشمالية تسير: “أن العلماء هم الذين أيقظوا الرأي العام من سباته”، وذكر جان لاكوتير في كتابه “الرجال الخمسة” أن مجددي فكرة الوطن الجزائري هم بالأحرى هؤلاء الذين أسسوا جمعية العلماء، أي الشيخ عبد الحميد ابن باديس وأشد أتباعه حماسة كالشيخ الإبراهيمي”.

مقالات ذات صلة