ورطة الحلفاء في العراق والشام
منذ 8 أوت الماضي إلى الآن، شنت الطائرات الأمريكية مئات الغارات على مواقع “داعش” في العراق، قبل أن تساندها دولٌ أخرى منذ أيام، ودمّرت الكثير منها كما أظهرت الصور الملتقطة جوا، لكن عدداً من المدنيين سقطوا ضحايا لهذه الغارات، ما يزيد من حرج أمريكا أمام الرأي العام الدولي.
أما مقاتلو “داعش” المستهدفون، فلم يتبيّن شيءٌ بشأن خسائرهم، والأرجح أنهم ينزلون إلى سراديب تحت الأرض حينما تبدأ طائرات التحالف غاراتها على مواقعهم ليلاً، ولكنها ما إن تغادر عند الفجر حتى يخرجوا ويواصلوا حصارهم وقصفهم لمدينة ”كوباني” الكردية السورية للسيطرة عليها وضمّها إلى 61 قرية اجتاحوها في ظرف يومين، وفي عزّ الضربات الجوية للتحالف على مواقعها، علماً أن أغلب مقاتلي “داعش” منتشرون بين السكان، استعداداً لحرب عصابات طويلة مع الحلفاء، وهو ما تدركه أمريكا جيداً من خلال تصريح أوباما بأن الحرب على “داعش” قد تستمر سنوات عديدة..
وتدرك أمريكا انطلاقاً من “خبرتها” في حرب العراق التي دامت 8 سنوات (2003 – 2011)، مدى صعوبة حرب العصابات، وخسائرها الفادحة، وتزداد الصعوبة أكثر حينما تُسند مهمّة محاربة “داعش” وأخواتها، إلى ميليشيات البشمركة و”الحشد الشيعي” والجيش العراقي المتهالِك، وإلى مجموعات سورية علمانية لايتجاوز عددُ مقاتليها 5 آلاف، وهي مجموعات أثبتت ضعفها في الحرب على النظام السوري مقارنة بنظيرتها الإسلامية، ولن يكون حظ هذه القوى أفضل من حظ الجيش الأمريكي الذي قاتل على الأرض في العراق بـ150 ألف جندي ثم انسحب في 2011 حينما تعاظمت خسائرُه وبلغت 4400 جندي وكبّد خزينة بلده 3 آلاف مليار دولار، ما أدخلها في أزمة مالية خانقة..
وما دام أوباما يؤكد أن الضربات الجوّية وحدها لا تكفي لدحر “داعش” ويدعو حلفاءه إلى المشاركة في حرب برية، فإن الحلفاء المعنيين لن يكونوا فرنسا وبريطانيا ودولا غربية أكدت أنها ستكتفي بالمشاركة في الضربات الجوية، ما يعني أن العرب هم الحلفاء المقصودون؛ فهم مطالبون بإرسال جيوشهم إلى العراق وسوريا لمحاربة ”داعش”، وستمارس الولايات المتحدة ضغوطاً على دول الخليج والأردن لإرسال قواتها، ثم تضغط على دول عربية أخرى لإسنادها بفرق عسكرية، ومنها مصر والجزائر والمغرب التي تملك جيوشاً قوية بالمنطقة، وسيشتدّ الضغط عليها أكثر إذا رفضت تركيا وإيران المشاركة في الحرب البرية.
الواضح أن أمريكا لا تريد خسارة أي جندي إضافي لها في العراق وتكرار تجربة حربها الخاسرة هناك، وتريد أن تحارب الجيوشُ العربية نيابة عنها، بينما تكتفي هي بتوفير غطاء جوي لها. أمريكا تدرك أنها وقعت في ورطة كبيرة حينما تغاضت عن تنامي خطر “داعش” وأخواتها، برغم كل تحذيرات نظام الأسد وإيران وروسيا بأنها ستنقلب عليها وعلى باقي حلفائها العرب لاحقاً، وهي تعترف الآن بأنها “أساءت تقدير قوّتها” على الميدان، ولكنها لا تريد إصلاح غلطتها بخوض حرب برية ضدها، بل تريد من العرب القيام بذلك نيابة عنها، وستحاول إقناعهم بأن “داعش” تهدد عروشهم هم بالدرجة الأولى، ولا مناص لهم من محاربتها.
دول شمال إفريقيا ليست مسؤولة عن أخطاء الآخرين، ويجب أن تتمسّك بعقيدتها العسكرية التي تحظر عليها إرسال جيوشها للقتال خارج حدودها، ولاسيما إذا كان ذلك من أجل الآخرين أو نيابة عنهم. أمريكا وحلفاؤها أوقعوا أنفسهم في ورطة وعليهم أن يصححوا الأمر بأنفسهم ويعملوا وحدهم على الخروج من ورطتهم بدل مطالبة جيوش مختلف الدول بالتضحية معهم أو بدلهم، وقديماً قال المثلُ العربي “يداك أوكتا وفوك نفخ”.