-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رؤية استشرافية من أجل الجزائر

وزارة التربية: الغرق في الجزئيات يمنع الرؤية…

محمد سليم قلالة
  • 3230
  • 18
وزارة التربية: الغرق في الجزئيات يمنع الرؤية…

الطريقة التي تعاملت بها وزارة التربية الوطنية مع إضراب الأساتذة الذي استمر طويلا تشير إلى أن ميزان الرؤية المستقبلية لإدارة شؤون البلاد على المستوى المركزي أصبح يعرف خللا يمنعه من التكيف مع الاحتجاج الاجتماعي والتكفل به بطريقة ناجعة. لقد بدا واضحا أن “المفاوضات” بين النقابات والوزارة نبهتنا إلى أن المسائل ذات البعد الاستراتيجي مثل الغاية من قطاع التربية ومكانة المعلم ونوعية العقل الذي نحتاجه في المستقبل لم تجد من يثيرها أو الدفاع عنها… النقابات تقول أن هذه ليست مهمتها.. والوزارة لا تعيرها أهمية مادامت غارقة في الجزئيات والتفاصيل…

بالفعل يبدو أن هناك مشكلة في إدارة الشؤون العامة على المستوى المركزي تتمثل في الحركة خارج نطاق رؤية مستقبلية، وفي اعتماد سياسة تحت الضغط تغرق في التفاصيل، بدل صوغ سياسات عامة بعيدة المدى تمكننا من التطور. 

المشكلات الفرعية الضاغطة في قطاع التربية على سبيل المثال ألغت كل إمكانية للتفكير في مستقبل هذا القطاع. كل آلية العمل المتوفرة أصبحت مجنَّدة في لحظة معينة للتعامل مع الإضراب، واتخاذ قرارات في ظروف طارئة، الكل يعلم أنها ستصبح عديمة المفعولية بزوال تلك الظروف.

وهي ميزة سياساتنا في أكثر من قطاع. لم تعد سياسات عامة تشمل الحاضر والمستقبل، إنما أصبحت سياسات مرتبطة بظروف معينة وأحيانا بأشخاص معينين وبتفاصيل… وقد نتج عن ذلك أن ضعفت ديناميكية التطور في أكثر من قطاع، واتجهت الأوضاع إلى الجمود القاتل لكل مبادرة أو فعل جديد.

إننا لا نفهم كيف أن وزارة إستراتيجية مثل وزارة التربية تعجز عن القيام بإصلاح جذري للتعليم، وتبقى تراوح مكانها ـ كل سنة ـ في قضايا لها علاقة بأجور المعلمين وترقيتهم وإدماجهم وترتيبهم في سلم الوظيف العمومي وتصنيفهم إلى فئات… الخ، بل لا تستطيع الخروج من هذه القضايا التي يُفترض أن تُحَل آليا ومن غير كل هذه الجلبة والهرج والإضرابات هنا وهناك.

لو كانت مكانة العلم محددة ضمن رؤية مستقبلية للبلاد تقول لنا بأن الأولوية هي للمعرفة في السنوات القادمة لما احتجنا إلى تفكير طويل لوضع المعلم في أعلى المراتب من حيث الأجر والمكانة الأدبية والاجتماعية. ولو كانت صناعة الإنسان هي التي تَحظى بالأولوية في مثل هذه الرؤية لتساءلنا على نوعية البرامج التي نُقدمها له وما الذي يفيده منها أو يضره وكيف نصوغها بطريقة ترفع من شأن الفرد في المجتمع وتجعل منه محور التنمية والتطور ورسم معالم المستقبل.

المشكلة تكمن في هذا المستوى، أننا تركنا الأهداف الفرعية والآلية تحل محل الرؤية الإستراتيجية وأحيانا تُلغيها، اللهم إلا إذا كانت هناك رؤية خفية لدى البعض غايتها تحطيم المنظومة التربوية والقضاء على توازن الفرد في الجزائر تمهيدا لمرحلة لاحقة من السياسات… وهي الفرضية التي كثير ما نسمعها، بل هناك من يعتبرها الحقيقة الوحيدة التي تقول أن كل ما يجري في قطاع التربية إنما المقصود منه هو تحطيم الإنسان، والقضاء على مكوناته الثقافية وبعده العلمي ليبقى فقط مستهلكا لما ينتجه الآخرون من أفكار وسلع وخدمات.

ولعل المؤشرات الموضوعية التي نلاحظها اليوم تميل إلى تأكيد هذا الطرح. ما الذي يمنعنا من تطوير محتوى القطاع لو لم تكن هناك نية مبيتة للإبقاء عليه في وضع لا يموت فيه ولا يحيا تمهيدا لدفعه نحو الانهيار؟

وهنا علينا أن نتوقف، ذلك أن المسألة لا تتعلق بتحطيم قطاع النسيج أو الجلود أو الصناعات الغذائية أو الصناعات الخفيفة والمتوسطة لحسابات اقتصادية وجماعات مصالح، إنما تتعلق بتحطيم أم القطاعات، ذلك أن ضعف التعليم من شأنه أن ينعكس على كافة نواحي المجتمع الصناعية والتجارية والخدماتية، وعلى وجود الدولة ذاتها…

ولعلنا اليوم نعيش النتائج الأولية لذلك، ونعجز على إيجاد الحل المناسب لها.

ما الذي يجعلنا غير قادرين على تسيير إداراتنا ومستشفياتنا ومصانعنا وحتى أسرنا بشكل متوازن وسوي؟  بلا شك هي مخرجات قطاع التعليم التي تتميز بالضعف وقلة الكفاءة والابتعاد عن الإتقان والتفاني في العمل وقبل ذلك باضطراب واضح على مستوى القيم.

وعليه فإننا اليوم أكثر من مطالبين للانتباه إلى خطورة الوضع. الوضعية الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة التي نعرفها ليست سوى نتاج عامل مشترك فاعل بينها جميعا هو: تعليم ضعيف وبلا رؤية.

إذا ما تمكنا من إصلاحه بعمق، أخرجنا مجتمعنا من عنق الزجاجة وتمكّنا من الخروج به إلى بر الأمان. أما إذا بقينا ضمن الأهداف المتعلقة بالأجور وساعات العمل والتقاعد… فإننا حتى هذه لن نتمكن من إيجاد حل لها، بل سنُعمقها بجهلنا وانعدام الكفاءة لدينا.

لقد آلمنا أن يُصبح إصلاح التعليم مرادفا لإصلاح الرواتب والترقيات والتقاعد… التي هي مشكلات ثانوية سهلة الحل ينبغي ألا نُعطيها أكثر من حجمها، وأن لا تُصبح هي الهاجس الأول للوزارة إذا ما أنجزتها تكون قد زعمت أنها حققت ما وُجدت من أجله.

الوزارة وجدت ليس لهذا فقط، الوزارة وجدت للسهر في المقام الأول على رسم سياسة عامة للتعليم ذات أهداف واضحة ومنسجمة مع الأهداف الكبرى للدولة ضمن رؤية مستقبلية بعيدة المدى. لِمَ لا تفعل؟ ذلك هو السؤال.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
18
  • KARIM

    أنا كأستاد ثانوي مضر لدي أكثر من 25 سنة في التعليم أصبحت مقتنعا إلى حد بعيد بالخوصصة. الشهداء لم يضحوا بأنفسهم من أجل ناس لا هم لهم إلا الاكل والمشرب و الالغناء و الرقص المنحط. الشهداء لم يضحوا من اجل مدارس جزائرية على شكل دور حضانة لا أكثر ولا أقل. الشهداء لم يضحوا من أجل الخونة و أبنائهم. الشهداء لم يضحوا من أجل الفساد و المفسدين في الأرض......................... الحل يكمن في الخوصصة لأن هؤلاء العبيد من طبعهم أنهم يتبعون دينارهم لعل وعسى يستقيم حال المدرسة مستقبلا.

  • بكريرة

    برك الله فيك موضوع في القمة ومهم لكل مجتمع يريد ان يتطور ويرقى للحضارات
    ولكن للاسف
    ما يهم المسؤولين اليوم هو كم دخل ودوام المنصب والمصلحة الخاصة حتى ولو كان على حساب الشعب والوطن
    اخي اشكرك على الموضوع

  • Mira SEDRATA

    MY TEACHERS USE TO ALWAYS TELL ME U SHOULD NEVER STEP ON SOMEONES FREEDOM
    I WICH THEY DO THE SAME THINGS NOW
    I JUST WICH FROM ALLAH TO TAKE OUR RIGHTS FROM U

  • Mira SEDRATA

    you just care about ur selves

  • Mira SEDRATA

    everyone in this country thinks about them selves if we had a desent education system everyone would be able to understand what i am writting
    i am a final class student and i am suffring cuz my teachers can not see how much they hurting me by puting my future in risk
    you use to allways tell us *do not step on any ones freedom
    try to do it for ones in ur lives
    if u r truly a good teachers and if u deserve what ur asking for for real you will understand this

  • مدام سارة مقنونيف

    يجب ان يسند قطاع التربية الحساس لاهله واطاراته وليس للفاشلين من قطاعات اخرى، كيف ياتي اطار من قطاع التعليم العالي(المعروف بالغش والغشاشين): انظر مقال هذا اليوم لتعرف السبب في ما يدور في الجامعة الجزائرية.الغش، السرقات العلمية، الترقيات المشبوهة، تهميش النخبة..الخ.السيدة بن غبريط مثل عبد اللطيف بابا احمد جاءا من قطاع فاشل يشجع الفاشلين لقطاع حيوي يضم اكثر من10 ملايين بين تلميذ ومعلم واداري، وهي التي الفت التسيير لمجموعة لا تتجاوز ال50فردا، اعتقد ان صناع القرار ظلموها.اعيدوا التعليم لاهله.لاهله

  • المبارك

    وسؤال آخر لماذا لا تتكلم النقابات عن عطلة الأمومة وكيف يتم استغلالها لدى العاملات و خاصة في التعليم ؟ و كيف يتم تحطيم المنظومة التربوية بسبب استعمال هذا الحق ؟ وكذلك الشهادات الطبية المزورة التي عمت و طمت : أستاذ خصم منه مدير الثانوية يوما واحدا فجاءه بشهادة يطلب عطلة مرضية لمدة شهر كامل ؟ وكلمة أخيرة الى الوزارة والى المغرر بهم من المربين : اتقوا الله في التربية فهي أم كل القطاعات الحيوية الدينية والدنيوية ، والسياسية و الاجتماعية ، وهي معقد أمل ازدهار البلاد ، فأين ضمائركم و عقولكم ؟

  • المبارك

    ما هو هذا الشرط الوحيد ؟ هو الكفاءة لمنصب التربية و التعليم بمعنى الكلمة والله لن يبقى في هذا المنصب إلا أقل القليل - والله المستعان - فلماذا لا تطالب النقابات بتحسين الجانب العلمي و الثقافي و القيمي لدى المربين و المعلمين . وسؤال آخر لماذا عندما تلبى مطالب نقابة ما تسكت عن مطالب الأخرين وتتركهم يتخبطون لوحدهم - ما هذه الأنانية المشؤمة عند النقابيين لولا أنها مؤامرة محبوكة على القطاع كله بأن تطول أزمته -كما قال الاستاذ سليم - وكلما خمدت نار اشتعلت أخرى . (يتبع).

  • المبارك

    التربية هي أم القطاعات الحيوية الدينية و الدنيوية ، السياسية و الاجتماعية ، الفردية و الجماعية : ولولا أن هؤلاء المتآمرون على هذا القطاع الحساس : من وزارة و نقابات يسعون الى تدميره بالفعل علموا أم لم يعلموا : كيف يعقل أن هذه التفاهات من المطالب هي التي تسيطر على قطاع كهذا منذ سنوات ولم يتجدد فيه أي شيء غير الرواتب في مقابل انهيار القيم والاخلاق و تحطيم المعرفة والعلم ، بالله عليكم لو حدث فجأة أن استجابت الحكومة لكل المطالب بلا استثناء وكن تشترط شرطا وحيدا ؟ (يتبع)

  • سعيد مقدم

    في هذه اللحظة الزوج مخيرلا بين ثلاث ك اما ان يرضى بالذل والهوان ويكون ديوثا.أو يظهر قوامته فمصيره السجن.أو يختار الطلاق وفك العشرة الزوجية.
    ولاتتعجب يوما استاذ سليم ان وجدت أن نسبة الطلاق بلغ مستويات قياسية. و لاتتعجب ان عجت يوما شوارعنا بالمشردين .والعازبين والعانسات و لاتتعجب ان استفحلت الأفات الاجتماعية كالدعارة والتي من خلالها ينتشر الاجرام وتنتشر الأمراض ويختلط النسل في الجزائر.ووو...غيرها من الأفات التي ستنجم عن قانون الجديد.

    -اسقاط القدوة:أين علماء الجزائر الذين نقتدي بهم؟ لايوجد

  • سعيد مقدم

    والأن استاذ سليم هل أدركت الحقيقة.
    - مشروع تحطيم المنظومة التربوية بدأ ولازال مستمرا ومعاول الهدم لازالت تشق صخرة المنظومة التربوية التي تأسست من عبد الحميد بن باديس الى يومنا هذا.ووضعية التعليم في الجزائر برهان ساطع على أن ما يجري في قطاع التربية ليس وليد الصدفة يا أستاذ سليم.
    -مشروع تحطيم الأسرة الجزائرية وتفكيكها خرج علينا منذ أيام في صيغة حزمة قوانين جعلت العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة تصادم وعداوة لا علاقة تواد ومحبة.يمكن للمراة أن تخرج من بيتها وقت ما تشاء ولايمكن لزوجها ان يكبحها...

  • مدرس

    لأنها بالفعل و ببساطة مأمورة

  • بريكي أبو يوسف

    السلام عليكم .وبعد:
    حال التعليم في بلدي كما قال صلى الله عليه و سلم عن عمه حمزة لما قتل في غزوة أحد:أما حمزة فلا بواكي له.
    فلا بواكي لرسالة التعليم و أهدافها السامية في بلدي. و آسف على المعلم قبل الوزارة. فإن لم يبكي المعلم على رسالته في الحياة التي يراها يوما بعد يوم تتناثر أشلاء ممثلة في ابناء الجزائر و مستقبلها الذي يسأل عنه لانه كان يوما ما مسؤولا. و لا تبكي الوصاية ممثلة في الوزارة و من دونها و قد انيطت بطاقمها مسؤولية كبرى فلا نجاة أمام الله لمن استرعاه رعية فضيعها. و قد أصبت يا أستاذ ..

  • بدون اسم

    "الوزارة وجدت ليس لهذا فقط، الوزارة وجدت للسهر في المقام الأول على رسم سياسة عامة للتعليم ذات أهداف واضحة ومنسجمة مع الأهداف الكبرى للدولة ضمن رؤية مستقبلية بعيدة المدى. لِمَ لا تفعل؟ ذلك هو السؤال."....ربما هناك اتفاق خفي بين النقابات و الوزارة من أجل الدفع بالمدرسة الجزائرية نحو الخوصصة و بالتالي حرمان أغلبية أبناء الشعب الفقير من العلم؟؟؟

  • dzbass

    يا استاذ سليم ......راه الجواب باين من عنوانوا وكلامك هو لكبير
    و الدليل شوفوا اطفال الابتدائي و هم يرقصون رقصة الواي واي في مدرسةبولاية الوادي عبر اليوتوب .....

  • معلم متقاعد

    هذا بيت القصيد.انظر معي إلى نوعية رجال الأعمال لدينا فإن نشاطهم ينحصر في الاستيراد ولا وجود لصناعة تحويلية تحتاج إلى كفاءة علمية أو فنية.اليوم جريدتكم تلفت النظر إلى طيارين ليس لديهم بكالوريا وإن عمقت البحث قد لا تلقى من يكسب شهادة علمية.بهذه السياسة للبلد هل تظن أن تعليم"الصبيان"له قيمة؟نعم وزارة التربية منحطة المستوى لكن هل لها دور تصنيف الموظفين؟كما ألقي على كاهل مدير المؤسسة منح العلاوات أثقلت مديرية التربية بتوزيع السكنات.إن دولتنا في حالة إفلاس شامل.تربية أبنائنا ليست لها قيمة عند حكامنا.

  • خالد

    نعم فغياب الرؤية المستقبلية المؤسسة على سلم الأولويات والتقييم الموضوعي والنموذج التربوي المتفق عليه وتقييم الواقع وتحليل المرامي والأهداف والممارسات وتحرير الفعل التربوي من المعوقات الإدارية والتكوينية والترقيعية والأنية والتلقينية والتقليدية والكمية والشكلية وغياب الثقة المؤسسة على القيم والتي تبني بدورهاالشراكة الحقيقة التي تضمن استقرار المدرسة لدى الوزارة جعل التربية في بلادنا تراوح مكانها وتستنزف طاقتها في معارك هامشية منهجها الإنفعال وردود الأفعال. ومحاولة كل طرف التنكيل بالطرف الأخر .

  • المستقبل

    نحن في الجزائر نعيش في عصر ..الر ..الر..كخ ..كخ .أي كلمات يستعملها راعي الغنم لشياهه .وهذا عصر البداوات الذي نعيشه في بلادنا الجزائر ويمثله اليوم أصحاب القرار والحاشية.النظرة المستقبلية التي تتحدث عنها بعيد عن عقل الجزائري اليوم فربما الى زمن آخر .والمنظومة التربوية أنهكت في زمن سابق اليوم نجني مازرعناه في العقود السابقة وهانحن فعلا نجني الحصرم .في سنوات سابقة كان أحد لأساتذة يُدَرِس علم النفس ويدعو الى اسا ليب جديدة في التعليم وبعد ان انزعج منه المسؤولين في التربية رقوه من استاذ الى مفتش فسكت ا