الرأي

وزارة التربية: جُهودٌ تَسْتَحقُّ الثَّنَاءَ!

أرشيف

لقد تأثرت كل القطاعات، وفي سائر بلدان العالم، بانتشار فيروس كورونا؛ وضرب بوجه خاص مجال التعليم في الصميم دون أن يترك للمسؤولين وقتًا للبحث عن البديل الناجع. ورغم بذل الجهود لتخطّي الصعوبات وإيجاد البدائل لا زالت عوائق كثيرة تحول دون نجاح العملية بالوجه الأكمل… والجزائر تعيش هذا الوضع! وفِيهَا، فَرَض فيروس كورونا إغلاق المؤسسات التعليمية بشكل مفاجئ منذ نحو شهر. واتُخِذ القرار بهدف الحدّ من الإصابات بهذا الداء. والخيار الوحيد الذي بقي أمام الجميع هو اللجوء إلى التعليم عن بعد، واستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتقديم ما تبقّى من البرامج المدرسية عبر الإنترنت للمتعلّم.

المساعي الحميدة

  دخلنا يوم الخميس 9 أبريل، إلى موقع وزارة التربية الوطنية، وبالتحديد إلى الصفحة التي يظهر فيها جدول “عناوين القنوات التعليمية حسب المستوى التعليمي”. فتفاجأنا بالجهود المبذولة في هذا الباب، وبالتنظيم الذكّي الذي انتهجته الوزارة بتكليف كل مديرية تربية بتغطية مستوى تعليمي معيّن. فعلى سبيل المثال، نجد السنة الأولى من المرحلة الابتدائية تتولاّها مديرية التربية بأدرار؛ والسنة الخامسة، مديرية سعيْدة،؛ والسنة الأولى من التعليم المتوسط كلفت بها سطيف؛ والسنة الرابعة متوسط، مديرية تبسة.

 أما مرحلة التعليم الثانوي فتشمل 14 مستوى تعليميا، كل منها تولّته ولاية من الولايات (بسكرة، تيزي وزو، قسنطينة، الأغواط، بجاية، عنابة، شلف،…). وهذا يعني أن ليس هناك احتكار لجهة معينة، بل ساهمت العديد من مديريات التربية عبر الوطن في إنجاز هذه المهمة في ظروف صعبة واستعجالية نعرفها جميعا.

وقد شهادنا (واستمعنا إلى) مقاطع من تلك الدروس، فأُعجبنا كثيرا بجهود الأساتذة والأستاذات الذين كانوا يجتهدون لتقديم أفضل ما عندهم ضمن فيديوهات الدروس… وكأنّ الأمر يتعلق بهَبّة تضامنية وطنية لإنقاذ جيل المتمدرسين، سيما أن هؤلاء الأساتذة لم يتلّقوا، حسب علمنا، أي تكوين مسبق في إلقاء مثل هذه الدروس، وبهذه الكيفية التي يفرضها عامل الاستعجال. ومن هنا، نعتقد أنه يتعيّن على السلطات أن تخصّص لهذه العملية المتواصلة ما يلزمها من تحفيزات مادية وغيرها لإبراز القدرات وتفجير الطاقات للنهوض بالتعليم الرقمي لأن مستقبل البلاد يتوقف عليه. وما زادنا إعجابًا بسيرورة هذه العملية، الإقبال الكبير على هذه الدروس حيث قدّرنا عدد المشاهدات فوجدناه تجاوز يوم الخميس 5 ملايين مشاهد… وهذا قبل انتهاء الأسبوع الأول من انطلاقها!

كل هذا جميل، وعمل يُشكر عليه جزيل الشكر كل مساهمٍ في إنجازه من قريب أو بعيد؛ ونتمنى له الاستمرار والتحسن تدريجيا. وبطبيعة الحال، فلا يمكن أن يخلوَ هذا الجهد من ثغرات وعيوب لا شك أن المتابعين للعملية سيعملون على إزالتها أو الحدّ منها بقدر المستطاع.

نقْد وَتَحدِّيات

 لاحظ بعض المتتبعين من الزملاء أن هناك أخطاء وهفوات في فيديوهات الدروس المسجلة كان بالإمكان تداركها في حينها لو رافق الأستاذ المُلقِي للدرس أساتذة آخرون من نفس المادة خلال التسجيل. كما لاحظوا بعض الخلل في التصوير والتركيب والإخراج.

ومما يقترحونه، بصفة عاجلة، أن ترافق هذه العملية لجان خبراء في الجانب التعليمي والتربوي، وكذا في جانب الإخراج للتقييم والتقويم بُغية تحسين جودة الحصص تدريجيًا. كما لا ننسى وجوب إعادة النظر في مدة كل حصة من الدروس وضرورة تقطيعها إلى عدة حصص فرعية أحيانا. ومع ذلك، يتفهّم هؤلاء الزملاء وقوع تلك الزلاّت لدى الأساتذة والفنيين الذين طُلب منهم السهر على هذه الدروس. فقلّة التجربة والطابع الاستعجالي لهذه العملية تؤديان بالضرورة إلى مثل هذه الوضعيات.

 ومن جانب آخر، تساءل زملاء آخرون: هل تستطيع وزارة التربية معرفة مَنْ (بالاسم) يتواصل مع الموقع من التلاميذ عبر الوطن؟ وكم عدد التلاميذ الذين يتعذّر عليهم لأسباب مختلفة الوصول إلى هذه الدروس والاستفادة ومنها؟ ومن هم (بالاسم)؟ وإذا كانت السلطات قد أحصت قائمة المعوزين الذين لا يمتلكون الأموال لاقتناء أجهزة تمكِّنهم من متابعة الدروس، فهل تفكر الوزارة مثلا في تزويد هؤلاء بلوْحات إلكترونية بالمجان، تتضمن تلك الدروس (يمكن مثلا تعبئتها في مديريات التربية وملحقاتها ومؤسساتها التعليمية)؟ ثم هل الوزارة قادرة في وقت لاحق على تزويد كل تلميذ برقم سرّي يمكّن الجهات المعنية بالتدريس بمتابعة كل متمدرس ومراقبة أعماله ومساره الدراسي؟ نعتقد أن هذا الأمر بالغ الأهمية. وإذا ما تمّ، سيمكّن قطاع التعليم من أن يخطو خطوة عملاقة في تطوير وسائل التدريس.

ولا شك أن هذا المطلب يستدعي تجنيد معلوماتيين لتحضير اﻷرضية والمنصات التعليمية وتدريب المعلمين والأساتذة على التحكّم فيها. ويقتضي ذلك، بوجه خاص، القيام بعملية توعية على مستوى سلك المدرّسين كي لا تبقى الأغلبية متفرّجة… وهذا، كما أسلفنا، سيُعَدّ استثمارا في مجال التعليم سوف تجني منه البلاد فائدة جمّة.

في العالم، الكلّ يعلم أن هناك مشكلة أساسية في الكثير من البلدان تعيق عملية التعلم عن بعد تتمثل في مدى قوة التدفّق على مستوى شبكة الإنترنت. هل هذا التدفّق كفيل بتمكين التلميذ من مشاهدة الدروس دون انقطاعات في التواصل؟ فنحن لا نفهم مثلا، أن رغم الأموال التي كانت متوفّرة في البلاد، ورغم الموقع الجغرافي المتميّز للجزائر فهي لازالت تُعَدُّ في مؤخرة البلدان عندما يتعلق الأمر بسعة شبكة الانترنت وقوة تدفقها. ولذا نقول إن الوقت الآن قد حان ﻹقناع السلطات العليا كي تعمل على توفير كل الوسائل اللازمة لقطاع الاتصالات ليحلّ هذا المشكل بصفة جذريّة على المستوى الوطني، ويزيد في قوة التدفّق ويقلّل من الانقطاعات في الاتصال بشبكة الإنترنت عبر البلاد بما يَفِي بحاجيات المعلّم والمتعلّم.

 لقد أتاحت الأزمة فرصة سانحة لجميع البلدان، والجزائر في مُقدّمتها، لإعادة النظر في سبل التعليم وأدواته للاستفادة من كل ما هو متوفر من وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ولِمَ لا تمضي السلطات قُدُمًا في هذا الاتجاه؟ وتحصر المتطلبات جميعها (البشرية، والمادية، والهيكلية، والتكنولوجية) لإنجاح هذا النمط الجديد من التدريس؟ فالاستثمار في هذا الحقل سيكون مكسبًا ثمينًا للبلاد على المدى القريب والبعيد… لأنه استثمار في الرأس المال البشري!

مقالات ذات صلة