الرأي

… وَكَمْ في فرنسا من بيجار ..

أنا ولله الحمد والفضل والمنّة ممّن نشأوا على مبادىء الإسلام القيّمة، وتعاليمه السّامية، ومُثُله النبيلة التي لا تعادي الناس لدينهم، أو لعرقهم، أو للونهم، فهم جميعا لآدم، وآدم من تراب؛ ولكن الإسلام يعادي الظالم لظلمه ولو كان “مسلما”. ولذلك فأنا على مذهب إمام الجزائر، ورائدها، ودالّها على الخير، عبد الحميد ابن باديس الذي كتب في العدد الأول من جريدته “المنتقد” بتاريخ 2 جويلية 1925، يقول: “إننا نحب الإنسانية ونعتبرتها كلاّ، ونحب وطننا ونعتبره منها جزءا، ونحب من يحب الإنسانية ويخدمها، ونبغض من يبغضها ويظلمها”.

إن هذه الإنسانية التي نُشِّئْتُ عليها، ورُبّيتُ عليها لا تمنعني من أن أفرح وأُسرّ عندما أعلم أن مصيبة نزلت على كل فرنسي عاث في الجزائر فسادا، أو لم يُنكِر على عاث فيها فسادا، وظلما، وأذاق أهلها العذاب الواصب، والبلاء المبين.. وعلى كل فرنسي ما يزال يكيد للجزائر،  ويمكر  بها،  ولا  يألوها  خَبَالا،  ويودّ  عنتها ..

ولهذا  فقد  فرحتُ  لوفاة  ذلك  المجرم  الفرنسي  الجنرال  مارسيل  بيجار،  وقد  أحسست  أن  الدنيا  ببشرها،  وشجرها،  وحجرها  قد  شاركتني  هذه  الفرحة .. وكيف  لا  نفرح  بهلاك  من  قتّل  الأطفال، والنساء  والشيوخ؟

ولم  ينغص  عليّ  فرحتي  بهلاك  هذا  السفاح  إلا  ذلك  الشخص  الذي  وصفه  ” بالمكافح  الكبير ” ،  و ” الرجل  الشجاع ” ،  وخطّأ  كثيرا  من  الناس  الذين  لا  يقدرون  هذا  الرجل  حق  قدره ..( 1 )

إن هذه الأوصاف النبيلة تطلق على أصحاب المبادىء السامية، والأخلاق العالية، لا على المجرمين، وإن علت رُتَبُهم العسكرية، ومناصبهم السياسية، وإلا كان هتلر وموسولوني مكافحين كبيرين، ورجلين شجاعين، وعلينا أن نُخطّىء كل من يذكرهما بسوء.. أي منطق هذا؟

وقد  عبت  واستغربت  للسيدة  لويزة  ايغيل  أحريز  التي  تمنّت  أن  لو  صَحَا  ضمير  هذا  المجرم  واعترف  بجرائمه ( 2 ).. 

إن  هذه  الأمنية  – يا  أخت – تُتمنّى  ممن  فيه  مثقال  ذرة  من  إنسانية،  وأما  أن  تُرتجى  من  بيجار  وأمثاله  فذلك  كمن  يطلب  نسلا  من  العقيم،  وتوبة  من  الرجيم .

إن بيجار ليس بدعا من الفرنسيين، وهو إذا قيس أو قُورن بمجرمين فرنسيين آخرين بدا طفلا وديعا، أو مجرما مبتدئا.. فالفرنسيون إزاء الجزائر والجزائريين سواء، إلا أفراد يشكلون الاستثناء الذي يؤكد القاعدة.. وقد عبّر عن هذه الفكرة من ذاق من الفرنسيين ما يُنطِق الرُّضَّع في المهود، والموتى في اللحود، يقول الإمام الإبراهيمي: “وإلى الآن لم يرزقنا الله حاسّة ندرك بها الفرق بين فرنسي وفرنسي من الطراز الذي ذكرناه، بل الذي أدركناه وشهدت به التجارب القطعية أنهم نُسخ من كتاب، فالعالم، والنائب، والجندي، والحاكم والموظف البسيط،  والفلاح، كلهم  في  ذلك  سواء،  وكلهم  جار  فيه  على  جِبِلّة  كأنها  من  الخَلْقِيّات  التي  لا  تتغير،  ومن  زعم  فيهم  غير  هذا  فهو  مخدوع  أو  مخادع  ( 3 )”.

وحتى فرحات عباس الذي عُرِف فترة بإلانَةِ القول للفرنسيين، والدعوة للتفاهم معهم، ولو بالنزول عن جزء كبير من حقوقنا انتهى به الأمر إلى اليأس منهم جميعا، والتصريح بأنه “من العبث أن نميز بين الفرنسي الصالح والفرنسي الطالح، فكلهم في ظلم العربي سواء، وإن مسؤوليتهم  لواحدة ( 4 )”.

لو كان البحر مدادا لجرائم الفرنسيين ضد الجزائريين لنفد البحر قبل أن ينتهي إحصاء تلك الجرائم، التي جعلت أولى تلك الجرائم الجنرال المجرم بيرتزان يقول في رسالة له مؤرخة في 29 أكتوبر 1830 بعثها إلى المجرم سُولت، وزير الحربية: “أعترف لكم بصراحة أني أصبحت مقتنعا بأن سكان هذه البلاد -الجزائر- لم يتعرضوا في وقت من الأوقات -خلال العهد التركي- لمثل هذه الاعتداءات والتجني على العدالة.. ولذلك لم يكن يسعني إلا أن أَحْمَرّ خجلا عدة مرات أن أرى العقلية الفرنسية تتدهور في عيون العالم المتحضر الذي يراقبنا عبر قناصله(5)”.

إن حليمة -هي هنا فرنسا- لم تنقطع عن عادتها القديمة حتى تعود إليها، فسنَدُها في الإجرام، والإشادة بالمجرمين، والافتخار بهم متّصل، وآخر هذا السند إشادة ساركوزي، رئيس فرنسا بالمجرم مارسيل بيجار، “وحزنه العميق لوفاة جندي كبير جدا(6)”..

إذا  كان  بيجار  وأمثاله  من  الفرنسيين  ” كبار ” و ” نبلاء ” ،  فأنا  أردد  – صبحا،  وعشيا،  وحين  أظهر – قائما،  وقاعدا  ومتكئا – مع  الأديب  المصري  الكبير  أحمد  حسن  الزيات : ” رحم  الله  أدولف  هتلر ( 7 )”.

إنني  أطلب  متابعة  ساركوزي  قضائيا  لأنه  أشاد  بمجرم  ضد  الإنسانية،  كما  يطالبنا  الفرنسيون  وغيرهم  من  الغربيين  بالتنديد  بمجاهدينا  في  أفغانستان،  والعراق،  وفلسطين،  ولبنان .

—————–

1 ) جريدة  الخبر  في  21  جوان  2010 . ص  23 .

2 ) جريدة  الخبر  في  19  جوان  2010 .

3 ) آثار  الإمام  الإبراهيمي . ج  3 . ص  95 .

4 ) فرحات  عباس : ليل  الاستعمار . ص  130 .

5 ) أورد  هذا  النص  الأستاذ  محمد  الميلي  في  كتابه  ” المؤتمر  الإسلامي  الجزائري ” ص  157 .

6 ) جريدة  الخبر  في  19  جوان  2010 .

7 ) أحمد  حسن  الزيات : وحي  الرسالة . ج3 . ص  224 .

 

مقالات ذات صلة